الخميس، 26 نوفمبر 2009

سعد

سعد

( عن رواية ذكرها شقيقي)

آهات

المهندس

خالد بطروي

لا يدري سعد ما الذي حصل معه. يسمع أصواتا من حوله. ربما هي زوجته تتحدث مع شقيقه. أو ربما آخرين يتحدثون. لا يفهم شيئا من هذا الحديث. لكن الأجواء مليئة بالضوضاء، يرى حلقات تدور وكانما هو نفسه داخل دوامه. رأسة يدور ويدور، ويشعر وكانما شيئا يجذبه الى القعر، يحاول أن ينهض من فائدة، يحاول أن يخرج من الدوامة من دون فائدة.

وفجاة رشة ماء على وجهه أنهضته، فتح عينية، سمع أصواتا تلهج بالشكر الى الخالق المولى " الحمد لله" " الحمد لله" " لقد فاق".

بدأ يرى شيئا فشيئا. شاهد شقيقه وشاهد زوجته، نعم اذا هم من كانوا يتحدثون. ثم شاهد فتاة بلباس أبيض، فادرك دونما حاجة لعناء تفكير أنه في المستشفى. حاول أن ينهض، لم يستطع. عاجلته الممرضة بالقول " انتبه أنت كلك في الجبس".

ماذا؟ ما الذي حل بي؟ أين أنا؟ ما الذي حصل؟

كل ذلك دار في رأسه لكنه لم يستطع أن يصرح بهذه التساؤلات فقد عاد الى غيبوبته. مع ذلك بقي يسمع الأصوات. لا يدري كم مكث من الوقت لكنه رائحة قوية أيقظته وعاد الى وعية مع رشة ماء أخرى.

بقي سعد ممدا على السرير، طلبت شربة ماء فعاجلته زوجته بقنينة ماء، شرب حتى ارتوى بينما زوجته كانت تمتم " الله لطف، الله لطف، الحمد لله، الحمد لله". ومع ذلك ظل ممدا على السرير.

سمع صوت شقيقه يصيح مهددا " والله لأطخهم، والله لأكسرهم زي ما كسروه، شو بيفكروا حالهم". بينما كانت زوجته تردد " الله يسامحهم، الله على الظالمين".

بدا سعد يستوعب شيئا فشيئا، ما يذكره أن مجموعة من رجال الشرطة قد انهالت عليه ضربا وساعدهم أشخاص يرتدون لباسا مدنيا ويحملون مسدسات. وما يذكره أن ذلك حصل يوم وقفة العيد، وفي منتصف السوق الشعبي.

سعد هذا الذي بقي لفترة طويلة عاطلا عن العمل، لدرجة أنه كان يبحث عن أعقاب السجائر الملقاة على الطرقات كي يدخنها، قد خطرت له فكرة، أن ينشىء بسطة قبل العيد ويبيع عليها أي شىء. فالناس في العيد تشتري الأخضر واليابس كما قال له جاره "أبو أحمد".

البسطة لا تحتاج الا الى ثلاثة أو أربعة حجارة توضع فوق بعضها البعض من كل جانب، لوح فنيرة وشوال رز فارغ. أما البضاعة فمن عند ذلك التاجر الذي يوزع بضاعة على البسطات المؤقتة " برسم البيع" ولا يطلب أي ضمانة.

قال سعد لنفسه " شو خسرانين، ما هو احنا قاعدين". وبالفعل أسرع الى سوق البسطات الذي خصصته البلدية مؤقتا، وأنشأ البسطة وطلب من صاحب بسطة مجاورة أن يحرسها له. هرع الى التاجر الذي بعد أن استفسر عن هويته ومكان سكناه، قال له أنه قد حضر متأخرا وجرى توزيع البضاعة على الجميع وبالتالي ربما في العيد القادم يكون بامكانه العودة " وانشاء الله خير".

أخذ سعد في رجاء التاجر، الذي أمام الحاحه قال له لم يتبق من البضائع الموزعة الا صنف واحد من البضائع لم تأخذه أية بسطة". فأسرع سعد قائلا " أنا موافق، أي شىء ، الأرزاق على الله سبحانه وتعالى". صاح التاجر بأبنه قائلا " يا ولد ... أعطي سعد الكلاسين".

" ماذا؟ كلاسين .... بسطة كلاسين .... هاي أخرتها" قال سعد في داخله لكنه أردف " كلاسين، كلاسين، المهم رزقة".

حمل سعد ربطات الكلاسين، فرد جزء منها على البسطة، جلس على حجر هناك منتظرا. مرت ساعة، ساعتان، لم يبع سوى ثلاثة كلاسين، أي أن ما ربحه بالكاد يمكنه من شراء أربعة سجائر. والعيد على الأبواب والأولاد بدهم عيديه.

داهمه الوقت، قلّ عدد المتواجدين في السوق، يا الله ماذا يفعل، اشتط غضبا، أمسك بقمعة سيجارة عن الأرض أشعلها، ازداد غضبه، ما الذي يفعل، وصل لدرجة التأزم أمسك يكلسون وأخذ بالصياح

" لطيزك .... لطيز أبوك ..... لطيز أمك ..... لطيز مرتك .... لطيز ابنك .... لطيز جارك .... لطيز جارتك .... لطيز حبايبك"

تجمهر المتسوقين حوله، وأخذوا في الضحك وازدادت حركة الشراء بل وتجمهر الناس.

أمام هذه الجمهرة، سرّ سعد أيما سرور، فاعتلى البسطة وأمسك بكلسون ستاتي وأخذ يلوح به ويصيح " لطيز الحكومة .... لطيز الرئيس ..... لطيز الوزراء " وعندها لمح شرطيا فصاح قائلا " وكمان لطيز الشرطة وببلاش تعالوا يلله والبلاش، لطيز الشرطة وببلاش بعوض الله وببلاش".

ها هو الان يرقد في المستشفى مصابا بكسور في مختلف أنحاء جسده، أما ما الذي حصل عند البسطة فهو ما لا يستطيع تذكره على الاطلاق، كل ما يذكره أن شرطيا وضع كلسونا في فمه فتوقف على الدعاية لجلب الزبائن وغاب عن الوعي.

نشرت الصحف صباح هذا اليوم خبرا مفاده أن مغرضا سوف يقدم أمام محكمة أمن الدولة بتهمة التحريض على قلب النظام والتخابر مع جهات أجنبية.

9/10/2009

ليست هناك تعليقات: