الاثنين، 7 ديسمبر 2009

استراتيجية التوثيق لدى مؤسسة " الحق" ما بين الأعوام 1988-1993

بسم الله الرحمن الرحيم

استراتيجية التوثيق لدى مؤسسة " الحق"

ما بين الأعوام 1988 – 1993

ذكريات

خالد بطراوي

منسق وحدة البحث الميداني آنذاك

توطئة

تأتي الذكريات أدناه على شرف العيد الثلاثين لتأسيس مؤسسة " الحق" تلك المؤسسة التي تشرفت بالعمل لديها ما بين الأعوام 1988 ولغاية 1993 كمنسق لوحدة البحث الميداني.

كنت ولا زلت أكن كل الاحترام والتقدير لمؤسسة " الحق" ولطاقم العاملين لديها على امتداد الثلاثين عاما. وحتى الان، وكلما بدأت بالصعود على الأدراج المؤدية الى المؤسسة أشعر بضربات قلبي تتزايد ليس جراء صعود الأدراج ( رغم التقدم في العمر ) وانما احتراما لمؤسسة نذرت نفسها فعلا لسيادة القانون واعلاء شأن حقوق الانسان.

لذلك هذه الذكريات تحمل في أعماقي وأنا أقوم بكتابتها نكهة خاصة، وأترحم على زميلتنا بولين حنا التي ربما كانت أول موظفة في المؤسسة والتي توفيت أثناء الاجتياح الاسرائيلي لمدينة رام الله بعد قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية بسنوات، ولشديد الأسف لم يتسنى لطاقم المؤسسة أن يودعها في جنازتها كما يجب وذلك بسبب العدوان الاسرائيلي فكان أن تمكن البعض منا من "تهريب" جثمانها من ثلاجة الموتى الى حيث ذويها. وأترحم أيضا على زميلنا الراحل خميس الشلبي الذي عمل في وحدة البحث وكان دائم البسمة. وأتمنى العمر المديد لباقي أفراد طام مؤسسة " الحق" الذين كانوا يؤدون ادوراهم منفردين ومجتمعين كعازفي أوركسترا يعزفون سيمفونية الحياة التي تقول " ما بيضيع حق ووراه مطالب".

أولا:- وحدة البحث الميداني

كانت مؤسسة " الحق" تعتبر أن وحدة البحث الميداني هي عمود المؤسسة، اذ لا تستقي أية معلومة وتقوم باعداد الأبحاث بصددها من خارج اطار البحث الميداني الذي ينفذه طاقم من الباحثين الميدانيين المدربين المنتشرين في كافة مناطق الضفة الغربية وقطاع غزّة.

لذلك كانت وحدة البحث الميداني في تلك الفترة مؤلفة من حوالي نصف طاقم المؤسسة. وقد تولى التالية أسماؤهم تغطية الانتهاكات وفقا للمحافظات على النحو التالي :-

المنطقة

اسم الباحث الميداني

ملاحظات

1

منطقتي طولكرم وقلقيليه / شمال الضفة الغربية

السيد عبد الكريم كنعان

أيضا مساعد قانوني ميداني

2

منطقة جنين / شمال الضفة الغربية

السيد عز الدين الرزي

أيضا مساعد قانوني ميداني

3

منطقة نابلس / شمال الضفة الغربية

السيد غازي ششتري

4

السيد محمد أيوب

أيضا مساعد قانوني ميداني

5

منطقة رام الله / وسط الضفة الغربية

السيد اياد الحداد

أيضا مساعد قانوني ميداني

6

الانسة غادة رباح

7

منطقة القدس / وسط الضفة الغربية

الانسة أمينة عوده

وكانت تغطي منطفة بيت لحم أيضا

8

منطقة بيت لحم / جنوب الضفة الغربية

السيد أحمد جرادات

أيضا مساعد قانوني ميداني

9

منطقة الخليل / جنوب الضفة الغربية

السيد زاهي جرادات

10

السيد شعوان جبارين

أيضا مساعد قانوني ميداني

11

منطقة جباليا / قطاع غزة

السيد يوسف أبو الجديان

أيضا مساعد قانوني ميداني

12

منطقة مدينة غزّة / قطاع غزّة

السيد نبيل شحاده

أيضا مساعد قانوني ميداني

13

منطقة المعسكرات الوسطى/ قطاع غزّة

السيد خالد صافي

أيضا مساعد قانوني ميداني

14

منطقة خانيونس / قطاغ غزّة

السيدة ابتسام زقوت

15

منطقة رفح / قطاع غزّة

السيد عصام يونس

أيضا مساعد قانوني ميداني

16

دعم مكتبي / مكاتب الحق برام الله

الانسة حنان قطان

17

منسق الوحدة / مكاتب رام الله وفي الميدان

خالد بطراوي

ولم يكن تصنيف المناطق يتسم بالجمود فقد كان الباحثون الميدانيون يهرعون لمساعدة زميلهم أو زميلتهم في منطقته عندما يكون حجم الانتهاك في تلك الفترة كبيرا. وقد انضم لفترات بعض الباحثين الميدانيين لمدة قصيرة ومنهم السيد ابراهيم المزين.

وكان بعض أفراد طاقم وحدة البحث يتوجهون – لاغراض الأبحاث التي يعملون عليها – برفقة الباحثين الميدانيين الى الميدان.

ثانيا:- استراتيجية البحث الميداني

ارتكزت استراتيجية البحث الميداني بالاساس على أن مؤسسة " الحق" تنشد الحقيقة ولا تريد أكثر منها. لذلك اعتبرت وحدة البحث الميداني أن الرواية الاسرائيلية الرسمية ( حيث أن الاحتلال الاسرائيلي هو منفذ الانتهاك) هي صحيحة الى أن يثبت بتحقيقات "الحق" القاطعة أنها ليست كذلك.

لذلك كان أول ما تبحث عنه وحدة البحث الميداني لدى " الحق" هو الرواية الاسرائيلية الرسمية ازاء أي حادث، وكانت بطبيعة الحال تحصل على هذه الرواية اما من خلال تصريح الناطق الرسمي لجيش الاحتلال و/او من خلال رصد الاذاعة الاسرائيلية الرسمية و/او التلفاز الاسرائيلي و/ أو الصحف الاسرائيلية التي كانت تصدر صبيحة اليوم التالي للحدث والتي كانت تقتبس أقوال مسؤولين اسرائيليين رسميين.

ثالثا:- التوثيق الميداني

اعتمدت "الحق" منهجية محددة في التوثيق، تستند بالأساس على الهدف من التوثيق هو توفير معلومات ميدانية دقيقة تخدم غرض وحدة البحث لديها ( وباقي الباحثين من خارج المؤسسة) في اجراء الدراسات التي تتعلق بانتهاكات حقوق الانسان التي ترتكب من قبل اسرائيل بوصفها دولة احتلال تجاه المدنيين الخاضعبن تحت سيطرتها على ضوء القانون الدولي والقانون الانساني الدولي والقانون العرفي. وبالتالي كانت "الحق" ترغب في فحص سلوك اسرائيل كقوة محتلة بالاستناد الى هذه المرجعيات الدولية.

لذلك فقد قسّمت " الحق" عملها الميداني باتجاهين:-

أ‌- توثيق الانتهاكات الجسيمة

ارتأت " الحق" أن توثيق بصورة شاملة كافة الانتهاكات التي تقع ضمن نص المادة (147) من اتفاقية جنيف الرابعة والتي تندرج تحت تعريف المخالفات الجسيمة حيث نصت الماده المذكورة على :-

المــادة (147)

المخالفات الجسيمة التي تشير إليها المادة السابقة هي التي تتضمن أحد الأفعال التالية إذا اقترفت ضد أشخاص محميين أو ممتلكات محمية بالاتفاقية : القتل العمد، والتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية، بما في ذلك التجارب الخاصة بعلم الحياة، وتعمد إحداث آلام شديدة أو الإضرار الخطير بالسلامة البدنية أو بالصحة، والنفي أو النقل غير المشروع، والحجز غير المشروع، وإكراه الشخص المحمي على الخدمة في القوات المسلحة بالدولة المعادية، أو حرمانه من حقه في أن يحاكم بصورة قانونية وغير متحيزة وفقاً للتعليمات الواردة في هذه الاتفاقية، وأخذ الرهائن، وتدمير واغتصاب الممتلكات على نحو لا تبرره ضرورات حربية وعلى نطاق كبير بطريقة غير مشروعة وتعسفية".

لذلك وثقت "الحق" كافة حالات القتل، سواء أكان الفاعل هو الجيش الاسرائيلي، أم المستوطنين أم المتعاونين من الفلسطينيين مع الاحتلال. ووثقت "الحق" أيضا كافة حالات الابعاد، هدم واغلاق المنازل، الاقامة الجبرية وكذلك اغلاق المدراس والمؤسسات التعليمية ضمن اطار العقوبات الجماعية.

وكانت توثق ولكن ليس بصورة شاملة حالات الاعتقال الاداري، الاصابات بجراح، اقتلاع الأسجار، حظر التجول، اغلاق مداخل القرى والمخيمات بالاتربة والبراميل الاسمنتية وغيرها من الانتهاكات واسعة الانتشار.

ب‌- توثيق يخدم أغراض وحدة البحث.

كان هذا النوع من التوثيق هو خاص بأغراض بحثية تطلبها وحدة البحث داخل " الحق" وذلك عندما تعكف الوحدة على اعداد دراسات حول قضايا محددة أو بهدف اطلاق حملات تأييد.

فقد وثقت وحدة البحث الميداني حالات رفض منح عائلات فلسطينية لم شمل ( حملة لم شمل العائلات الفلسطينية المشتتة) ، وحالات هدم المنازل لأسباب تتعلق بادعاء عدم حصول أصحابها على تراخيص بناء ( دراسة البروفيسور أنطوني كون عن التخطيط الحضري تحت نير الاحتلال)، اغلاق المؤسسات التعليمية ( دراسة اغلاق المؤسسات التعليمية – عقاب لمستقبل الشعب الفلسطيني)، حالات تعذيب ( دراسة التعذيب في السجون الاسرائيلية)، الهجمات الضريبية ( دراسة الضرائب) وغيرها من الدراسات التي صدرت عن مؤسسة " الحق".

رابعا:- أدوات البحث الميداني

كانت أدوات البحث الميداني على النحو التالي :-

أ‌- التصريح المشفوع بالقسم :- وهو عماد التوثيق حيث يحصل الباحث الميداني على أكبر عدد ممكن من التصاريح المشفوعة بالقسم اما من الضحايا مباشرة و/او من شهود عيان بعد أن يختبر مصداقية شهادتهم. وكانت العبارة الأولى في التصريح المشفوع بالقسم تنبه معطي الافادة أن عليه " لأن يقول الصدق والا عرض نفسه للعقاب الجزائي".

ب‌- الاستمارة :- حيث كان لكل انتهاك استمارة خاصة به معدة بصورة قانونية متقنة وكان هناك استمارات للقتل، الجرح، الابعاد، الاعتقال الاداري، الاقامة الجبرية، هدم واغلاق المنازل، وكذلك استمارات حدث.

ت‌- التقرير :- وهو الذي يعدة الباحث الميداني بنفسه مفصلا تحركه الكامل لتوثيق أي انتهاك.

ث‌- الوثائق المرافقة :- كأن يحصل الباحث الميداني على التقرير الطبي، مظاريف الرصاص والقنابل الغازية وقنابل الانارة والرصاص المطاطي وما شابه.

ج‌- رسم للحادث :- كروكي موقع.

ح‌- تصوير فوتغرافي للانتهاك و/او الشهيد و/او غير ذلك.

خ‌- وكان لدى الباحث الميداني مساطر للقياس وعدسات مكبرة ومع تطور التكنولوجيا هاتف نقال.

( بالامكان العودة الى حادثة القتل العمد لمصطفى علي تل شراكة من مخيم الجلزون والتقرير الوثائقي الذي صدر عن المؤسسة لتتبع دقة التوثيق).

خامسا:- التدقيق المكتبي

كانت الوحدة تتابع الباحث الميداني مكتبيا من خلال أولا التوجه معه من قبل منسق الوحدة الى الميدان، وثانيا عند حضوره الاسبوعي ( كل يوم أربعاء) حيث كان منسق الوحدة يلتقي بكل باحث ميداني على انفراد ويدقق في كل معلومة وثقها، ثم بعد ذلك يعقد اجتماع لكافة الباحثين الميدانيين للتحدث عن ظواهر عامة لانتهاكات وقعت في كافة المناطق، وبعد ذلك كانت الوحدة تقدم تقريرا اسبوعيا عن أحداث الميدان الى اجتماع المؤسسة العام عصر يوم الأربعاء وكان هذا التقرير يقدم بصورة مكتوبة الى طاقم المؤسسة ويتم مناقشته في الاجتماع العام.

بعد ذلك كانت الاستمارات تحّول الى بنك المعلومات الذي يقوم بدوره بتدقيقها قبل أن يتم حوسبتها. أما باقي التوثيق فكان يحول بعد أرشفته داخل وحدة البحث الميداني الى وحدة البحث التي كانت بدورها تقوم بتدقيق المعلومات مجددا.

وعليه فقد كان التدقيق في توثيق الحق يتسلسل من أولا تدقيق الباحث الميداني بنفسه في الميدان، وثانيا تدقيق وحده البحث الميداني بنفسها في المكتب والميدان، وثالثا تدقيق وحدة بنك المعلومات للاستمارات ورابعا تدقيق وحدة البحث في التوثيق المقدم لها.

سادسا:- لماذا أكتسب " الحق " هذه المصداقية العالية ؟

ببساطة لأنها لم تكن تعمم أية معلومة لا تقف خلفها، في كافة وثائق " الحق" وفي كافة تقاريرها التي أثارت ضجة عالمية لم يصدر ذات يوم عن أي جهة اسرائيلية رسمية أية تصريحات تنفي معلومات مؤسسة " الحق" أو تطعن في مصداقيتها.

وقد صدف مرة واحدة فقط أن نشرت " الحق" معلومة حول عدد الشهداء مجزرة الأقصى المبارك وكان العدد يزيد شهيدا واحدا عن العدد الفعلي وقامت الحق على الفور بتصحيح المعلومة وعممت التصحيح على نحو أكبر من البلاغ الصحفي الأصلي الذي نشرته.

كما وكانت الحق تتبع الحياد عند قيامها بتقصي الحقائق والمعلومات، وعلى الرغم من أن لطاقمها – على الصعيد الشخصي – رؤيا وتوجهات سياسية معينه – كل باختلاف عن الآخر – الا أن ذلك لم يؤثر ولو لمرة واحدة على حياديتها وبعدها عن الاملاءات السياسية ما أكسبها هذه المصداقية العالية.

ونذكر هنا مثلا أن الباحث الميداني الزميل شعوان جبارين ، الذي كان يرزح تحت الاعتقال الاداري قد حصل على جائزة كارتر – مينيل لحقوق الانسان لأنه كان يوثق الانتهاكات الاسرائيلية بحق المعتقلين وهو داخل المعتقل.

وتجدر الاشارة الى أن معظم الباحثين الميدانيين لدى الحق" قد اعتقلوا لفترات اعتقالا اداريا دونما تهمة أو محاكمة وكان يسود الانطباع لدى المؤسسة أن أحد أسباب اعتقالهم الاداري هو عملهم لدى " الحق".

سابعا:- أمثلة على انتهاكت مزعزمة كشفتها وحدة البحث الميداني

كثيرة هي الأمثلة عن انتهاكات تمكن أفراد وحدة البحث الميداني من اكتشاف أنها مزعومة ولا يوجد للاحتلال أيه صلة بها وأذكر هنا – على سبيل المثال لا الحصر - :-

أ‌- حادثة مقتل صيدلي

قتل صيدلي في صيدليته وسط احدى المدن. وقد جمع الباحث الميداني السيد عبد الكريم كنعان تصاريح مشفوعة بالقسم من ما يزيد عن عشرة أشخاص. وعندما أعّد تقريره كتب بخط يده " الزميل خالد أعتقد أن كافة شهود العيان الذين حصلت على تصريح منهم لم يكونوا حتى في المنطقة ولا يقولون الحقيقة". وبالفعل بعد أقل من ساعتين حضر أحد شهود العيان وقال للمؤسسة أنه لم يكن حتى في المنطقة وأن أفراد عائلة هذا الصيدلي قد طلبوا منه الادلاء بافادة. وتبين من تحقيقات " الحق" أن الصيدلي قد قتل على خلفية جنائية بحته تتعلق برفضه صرف دواء مخدر دون وصفة طبية لمدمن مخدرات.

ب‌- حادثة اقتلاع عين

وثق الباحث الميداني السيد عز الدين الرزي حادثة اقتلاع عين سيدة أدخلت الى مستشفى في شمال الضفة الغربية وذكر التقرير أن سبب اقتلاع العين هو رصاص مطاطي. وفي تحقيقات الباحث تبين أنه لم يكن في المنطقة أي تواجد للجيش الاسرائيلي وعندما توجه الى قرية المواطنة المذكورة للاستفسار تبين له أن زوجها كان قد ضربها واستخدم آله حادة أصابت العين أثناء عملية الضرب.

ت‌- حوادث قتل نساء على خلفية اتهامهن بالتعامل مع سلطات الاحتلال

وثقت الوحدة عدد كبير من حالات قتل نساء فلسطينيات على خلفية اتهامهن بالتعامل مع سلطات الاحتلال، وتبين في كثير من تحقبقات " الحق" أن بعضهن بريئات وليس لهن أية علاقة لا من قريب أو بعيد بتعامل مع الاحتلال، وأن كل ما في الأمر أن قتلهن جاء من قبل أقارب لهن اغتصوبهن ولما تكورت بطونهن جراء الحمل قتلوهن بأنفسهم تحت ذريعة التعامل مع الاحتلال.

ث‌- حوادث انتحار

في حادثتين على الأقل وجدت فيهما جثتين كل معلقة ( في مواقع مختلفة) على شجرة زيتون وبعد أن استكملت " الحق" تحقيقاتها وبضمنها تشريح الجثة في معهد الطب العدلي الاسرائيلي " أبو كبير" تبين أن الحادثة هي انتحار وكانت " الحق" قد توصلت عبر تحرياتها الى أسباب كل حادثة انتحار وبلغت العائلات المعنية بذلك وتركت لهذه العائلات حرية الافصاح عن الحقيقة.

ج‌- حادثة قتل عن طريق الخطأ

قتل شاب فلسطيني من قبل زملاءه الذين كانوا يعبثون بالسلاح في احدى مناطق قطاع غزّة، وذكرت التقارير أنه قد قتل من قبل الجيش الاسرائيلي. لكن الباحث الميداني نبيل شحاده شك في الرواية وثبت من خلال تحرياته أنه لم يكن هناك أية تواجد للجيش في المنطقة، وعندما تفقد الجثة تبين له أن المسافة التي أطلقت منها الرصاصة قريبة جدا وقام بتوثيق الحالة وطلب مني أن أحفظها جانبا. بعد أربعة أشهر تقريبا أظهر التلفزيون الاسرائيلي شريط فيديو كان قد حصل عليه أثناء مداهمة احدى المنازل وأثناء عرص الفيديو تبين أن القتيل كان يصور بالفيديو مجموعة من أصدقاءه وجميعهم ينتمون لفصيل مسلح فلسطيني عندما مازحه أحد الأصدقاء قائلا أنه سيطلف الرصاص تجاهه، وبالفعل صوب سلاحه الذي كان يظن خطأ أنه غير محشو بالرصاصة وأطلق الرصاصة التي اخترقت رأسه.

عندها اتهمت السلطات الاسرائيلسة مؤسسات حقوق الانسان بأنها تفبرك الأحداث، وهرعت الصحافة الى مؤسسة " الحق" ورأت بنفسها أن اسم الشاب لم يكن مدرجا في قوائم المؤسسة من ضمن من قتلهم الجيش الاسرائيلي.

ولو كان اسمه مدرجا لكنت قد فصلت الباحث الميداني من عمله، وقدمت استقالتي على الفور لأن في ذلك مسا كبيرا بمصداقية مؤسسة " الحق".

وبعد،

ثلاثون عاما هي المسافة الزمنية التي تفصلنا عن ذلك اليوم الذي أعلن فيه عن انشاء مؤسسة "الحق". ثلاثون عاما ليست طويلة في تاريخ البشرية، لكنها ثلاثون عاما من العمل الدؤوب لتوطيد سيادة القانون ونشر ثقافة حقوق الانسان.

انها جزء من الذكريات، انها جزء من تكوين شخصيتي، انهم جميعا عائلتي، أفرح لأفراحهم وأحزن لاتراحهم، أنني أرى الان أبناء المرحومة بولين وقد كبروا، وأصبح أبناء بعض طاقم " الحق" مهندسين يعملون في ذات مهنتي، والبعض الأخر في الاقتصاد، وأفرح كثيرا عندما أعلم أن أبناء زاهي جرادات ( ذكورا واناثا) أصبحوا أبطالا في لعبة الشطرنج، وأن لين ولشمان برفيسورة الان وتعلم في احدى الجامعات البريطانية، وأن أنجيلا غاف وجوانا وميليسا فيليبس ويوست هلترمان وايما بليفير ومارك ومارتي ( اليهودي الذي كان يقيم ويعمل معنا) وغيرهم يقدمون في ذات عمل "الحق" في مختلف بقاع العالم. وأتحاشى النظر في عيني الزميلة نينا عطالله التي تتولى مسؤولية تنسيق البحث الميداني اليوم لأنني أفتقد المرحوم زوجها صديق الطفولة. ويمر من أمامي الزميل شعوان جبارين وهو تقوس ظهره قليلا لكنه يذكرني بمقولة " ما ببقى في الوادي الا حجاره" وأقرأ في كتاب الزميل رجا شحادة حول سرحاته في الجبال الفلسطينية، وما أن يحضر الزميل جونثان كتاب الى البلاد حتى يهاتفني راغبا الاستماع الى آخر نكته. أما الزميل تشارلي شماس فقد " جنننا " جميعا في موضوع وضع القانون الدولي موضع التنفيذ.

أحنى رأسي احتراما لتاريخ الحق ولطاقم " الحق" عازفو الاوركسترا الرائعة.

باحترام شديد

خالد

نتوين

نتوين

المهندس

خالد بطراوي

فلسطين

لعن خليفة ذلك اليوم الذي سقطت فيه التفاحة على رأس العالم "المخبول" اسحق نيوتن حول العام 1666 حيث انطلق بعدها معلنا عن اكتشاف ما أسماه وما اتفقت معه البشرية بعدها بقانون الجاذبية العام وما زاد بعدها في ضروب جنونه اعتماده قوانين الحركة الثلاثة.

واعتبر خليفة في مؤتمر صحفي عقدة في العاصمة أمام حشد من الصحافيين أنه وان كان يختلف مع "المخبول نيوتن" الا أنه يوافقه في قانون الحركة الثالث الذي يقول فيه " ان لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه" لذلك وعلى الرغم من أن ردة فعل خليفة ضد فعل نيوتن قد جاءت بعد أكثر من ثلاثماية وخمسون عاما الا أنها هي الحركة التصحيحية الحقيقية للبشرية جمعاء. وأضاف خليفة في المؤتمر الصحفي أن سبب هذه الصحوة المتأخرة هو حقيقة واحدة أنه ولد بعد وفاة نيوتن بثلاثماية وثلاثين عاما تقريبا وبالتالي ومنذ نعومة أظفاره فقد استغرقة أعوام من التفكير المضني المتواصل ليصل الى قناعات راسخة مفادها أن نيوتن بقوانينه السخيفة قد "ضيع " البشرية جمعاء.

وردا على سؤال صحافية اذا ما كان يتفق أو يختلف مع قانون نيوتن الاول القائل بأن " كل جسم ساكن يبقى ساكن ما لم تؤثر عليه قوة تحركة وكل جسم متحرك يبقى متحرك ما لم تؤثر عليه قوة توقفة أو تغير اتجاهه " أكّد خليفة بأن البشرية جمعاء بقيت ساكنة منذ اطلاق نيوتن خزعبلاته هذه وأنه أي خليفة هو القوة المحركة التي سوف تقلب المفاهيم العلمية المتعلقة بالحركة ظهرا على عقب.

وأردف خليفة قائلا أن اسمه خليفة يدلل على مسألتين أولها أن والديه بالفطرة أسمياه بهذا الاسم لانه سيخلف نيوتن وثانيها أنه يختلف مع المخبول اسحق نيوتن. وأعلن عبر الفضائيات أنه قد حوّل أسمه من خليفة الى "نتوين" للتأكيد على اختلافه مع نيوتن وذلك بعكس ألأحرف المكونة لاسمه.

وقد تلقفت الجهات الرسمية وغير الرسمية باهتمام شديد تصريحات نتوين وامتلأت صفحات الانتريت بالتعليقات المؤيدة أو المعارضة له، فيما انطلقت مجموعات تدافع عن السير اسحق نيوتن الانلكيزي العرق والمنشأ.

وفي لقاء متلفز مع نتوين، وضّح أن البلاء الأعظم في نظرية نيوتن كان يكمن في التسليم بالجاذبية الأرضية، وبالتالي فقد استندت البشرية في تطورها العلمي الى أن الجاذبية حقيقة واقعة من الأفضل التعايش معها بدلا من التغلب عليها اللهم الا في حالات الطائرات ومكوكات الفضاء والأجسام الطيارة التي ليست شائعة الاستخدام كما باقي ابداعات البشرية.

ووضح نتوين أن أربعينات القرن المنصرم قد شهدت بداية تحرك بشري لمكافحة جاذبية نيوتن بالسعي للصعود الى القمر حيث جرى الاعتماد على أن جاذبيته للأشياء هي سدس جاذبية الأرض وقد شاهدنا جميعا رواد الفضاء وهم يتطايرون على سطح القمر.

وقال نتوين أن أسوأ ما رافق خزعبلات نيوتن هو مسألة التسليم بمكافحة الاحتكاك الناجم عن الجاذبية من خلال اعتماد الأسطح المستديرة أو الملساء.

وقد طلب مقدم البرنامج من نتوين أن يوضح بامثلة عملية رؤيته المخالفة لخزعبلات نيوتن، فقال أن الجميع قد سلّم بوجود الجاذبية، فبدأت الانجازات العلمية تعتمد على وجود الجاذبية كحقيقة واقعة، فمثلا عند تصميم المركبات جرى تصميمها بالأخذ بعين الاعتبار وجود الجاذبية، فلو جرى التفكير بالغاء هذه الجاذبية من خلال احداث قوة أكبر منها مع المحافظة على قوة دفع المركبة الى الأمام أو الى الخلف، لأصبحنا نرى مركبات تسير على الشارع أولا بخفة وثانيا بأقل قدر من الاحتكاك وثالثا باٌقل تكلفة وقود ( نفط) ممكنة وبالتالي نحافظ على مخزون النفط في العالم الذي بدأ ينفذ.

واردف لو أن كافة المهندسين قد قاموا بتصميم المباني والعمارت الشاهقة وناطحات السحاب بتجاهل ما أسماه المخبول نيوتن الجاذبية الأرضية من خلال احداث قوة من أسفل الى أعلى معاكسة ومخالفة لقوة المخبول نيوتن لأصبحنا نرى أبنية من غير أساسات وبأقل قدر ممكن من حديد التسليح. وعندما عقب مقدم البرنامج بأن ذلك قد يجعل الأبنية تتطاير قال نتوين ضاحكا أنه بالامكان ربط هذه العمارات بحبال معدنية تماما كما يربط البالون بالخيط خوفا من أن يتحدى جاذبية المخبول نيوتن ويحلق عاليا. وثمن نتوين عاليا البالون الذي كان المتمرد الأول على خزعبلات نيوتن.

وفي تصريح للناطق الرسمي باسم الدولة العظمى قال انه الادارة قد اخذت علما بتصريحات السيد نتوين الجريئة وان لجنة مشتركة من الجهات الامنية المختلفة تبحث أفكار نتوين التي قد تشكل انعطافا مصيريا في تاريخ البشرية.

أما الدولة البريطانية فقد أصدرت بيانا هاجمت فيه بشدة نتوين واتهمته بالمس بالسمعة والشرف الانكليزي من خلال التهجم على السير اسحق نيوتن ابن انكلترا البار وطالبت الدول قاطبة باعلان العداء لافكار نتوين هذه التي تدخل في اطار الارهاب وربما يدعمها الارهابي الأول في العالم.

وقد صرح مسؤول عربي أن خليفة هذا ما هو الا مخبول يعاني من اضرابات نفسية وكان يتلقى العلاج لدى اخصائي في الصحة النفسية، وظهر هذا الطبيب يؤكد أنه خليفة هو أحد مرضاه رافضا الكشف عن تفاصيل مرضه احتراما للسرية الطبية على حد قوله.

حتى هذه اللحظة ما زالت أصدار أفكار نتوين تتفاعل على كافة المحافل الدولية والعربية والمحلية.

7/12/2009