الخميس، 27 أكتوبر 2011

طبيب جراح ... جورج وسوف

طبيب جراح ... جورج وسوف

رؤيا

خالد بطراوي – فلسطين

(الى ل.ع. مع احترامي وتقديري)

على أيقاع لحن حزين يبدأ المطرب جورج وسوف ( شفاه الله) أغنيته وهو يلبس ملابس تمثل الزمن الماضي ويركب سيارة من سيارات "زمان" ويدخل الى مكتبه حيث الآلة الكاتبة القديمة جدا ويجلس ليطبع كما اجلس أنا الان ( ولكن عند جهاز الحاسوب ) ويبدأ الأغنية بوصف حاله كما حال الطبيب النطاسي الجراح الذي يداوي قلوب الناس ويضيف " وياما جراح سهرت الليل أداويها" فيسطع نجمه كطبيب بارع وتكثر الأحاديث حوله بالقول " شافوني قالوا متهني" لدرجة أنهم أردفوا قائلين "من كتر الفرح بيغني" لكنه يقول لهم لا تستعجلوا بل "تعالوا واسألوا عني أنا اللي بيّ جراح" لدرجة أن كل اطباء الكون " ما تشفيهم".

وهنا ورغم أن ذلك قد يكون حقيقيا عند كثير من الناس لكنني لا أعتقد أن الذي يحرص دوما على أن يطبع البسمة على شفاه من حوله أو يدخل السرور الى قلوبهم يجب أن "يحملهم جميلة" لما يفعله لاجلهم بل على العكس عليه أن يواصل مساعيه هذه بصمت بل بصمت مدقع حتى لو كان داخله ملىء بالحزن وأيما حزن.

ثم ينتقل جورج وسوف الى مقهى من مقاهي "زمان" حاملا صحيفة وبعد أن يلقى التحية على المتواجدين يجلس ويتابع الغناء بالقول " يا عاشقين قلبي زي الغريب بقالوه زمان ... يا عاشقين حبي نسيتو ازاي نسيتو ازاي حبي اللي كان .. حبي اللي كان" وهنا يتضح لنا ماهية الحزن الذي يعتمر قلب جورج وسوف في كونه قد فقد لسبب أو لآخر المحبوب ربما جراء خطأ منه أو من المحبوب أو من كليهما معا.

ويمعن جورج وسوف في الملامة بالقول " فين الوعود ... فين العهود" وهو بذلك يستفسر مستنكرا التصرفات التي صدرت عن المحبوبة بخلاف الوعود السابقة بمعنى أن الفعل قد اختلف عن القول وهذه مسألة عامة لدى الانسانية جمعاء تتعلق باختلاف الأقوال عن الأفعال، ويزيد بالقول " فين المحبة والحنان". وهنا أيضا تكمن خاصية غريبة لدى الكثيرين فحتى لو افترضنا أن الحبيب والحبية قد افترقا فلماذا على كل منهما أن يعادي الآخر، لماذا يتنكر أي منهما للذكرى الطيبة ولماذا لا تصدر عنه لا النعوت السلبية الى تذم وتقدح الآخر؟، لماذا لا يحفظ الواحد منا الذكرى الطيبة؟

وينتقل جورج وسوف الى صالون حلاقة يستخدم "الموس" لحلاقة اللحية ويتابع أغنيته بالقول " يا ما أسيت يا ما صمتي مرار صمتي مرار ... ضحكي قليل ... ضحكي قليل ... ضاعت الابتسامة .. والقطر فات والقطر فات .. ومن سنين .. ومن سنين" وهنا أيضا يتحدث عما في داخله وان كان هذه مسألة صحية من ناحية العلاج الروائي وهو أحد اساليب العلاج النفسي الحديثة لدينا ( والقديمة لدى العالم) لكن اذا كان الغرض هو ايقاع اللوم على الآخرين فهو مرفوض وخاصة من شخص وصف نفسه في البداية أنه طبيب جراح يدواى جراحات قلوب الآخرين.

وبالمحصلة العامة من وجهة نظري أنه من الجيد بل من الممتاز أن يكون الانسان طبيب جراح يداوي قلوب الناس من حوله ويخفف عنهم، لكنه في ذات الوقت يجب أن يحرص كل الحرص على أن يعمل بصمت أولا وأن لا "يحمّل" من يساعده جميلة فتفاقم من جراحاتهم.

اما جراحاته فليبقيها لنفسه وليطلقها في زفرة أغنية كما أغنية جورج وسوف فان وجد من يداويها من بين أصدقاءه أو من داوهم فذلك " خير وبركة" وان لم يجد فيجب أن لا يمنعه ذلك من مواصلة عمله في التخفيف عن الآخرين مع الآخذ بعين الاعتبار أنه ليس بالضرورة أن يكون عمل الطبيب الجراح "بتر" أو "قص" الجزء المسبب للألم بل أيضا اعادة اللحمة.

لجورج وسوف الراقد الان في المستشفى تحت العناية الآلهية ورعاية أطباء جراحين تمنياتي بالشفاء العاجل ولكم أيها الأحبة رجائي بالدعاء له وبامكانكم أن تستمعوا الى أغنيته على الرابط التالي :-

http://www.youtube.com/watch?v=-pleVatayes

الأربعاء، 17 أغسطس 2011

لا تسقني ماء الحياة بذلة

لا تسقني ماء الحياة بذلة

حسرة

خالد بطراوي

أكتب ما أكتبه الان بعد أقل من نصف ساعة من وقائع ما جرى معي. قد يقول البعض أن الكتابة الفورية تأتي متسرعة وبالتالي تفتقد الى الموضوعية، وقد يتهمني البعض بأنني عصبي أكثر من اللازم وبأنني لا أرى الا النصف الفارغ من الكوب.

عموما أنا لا يعنيني ذلك كله مع الاحترام للجميع طبعا، لا يعنيني مطلقا أذا ما اتهمت بالتسرع والغضب والنرفزة وغيرها من الألقاب، بل على العكس أفتخر جدا صدقوني أفتخر جدا أنني غضبت. فلا أستطيع مطلقا أن أقف هادئا أمام أي حادثة يتم فيها تحقير أي انسان، كبيرا كان أم صغيرا.

قبل أسابيع أسودت الدنيا في عيني، عندما علمت أن سفير أحدى الدول ويقيم بيننا قام بضرب طاعن في السن وزوجته عندما حضروا الى دار السفارة بهدف الحصول على تأشيرة دخول. وقلت في نفسي " كيف يحصل هذا؟" و " كيف لم تتحرك مؤسسات المجتمع المدني والفعاليات والجهات الرسمية ازاء هذا الحدث الجلل".

قبل أيام تهاتفت مع صديقة أحترمها وأحترم عائلتها وتاريخها وذلك بهدف التنسيق لحفل فيه رقص روائي. أعجبتني الفكرة، وبدأت في ذهني بالتحضير للشكل الاخراجي لعرافة الحفل بعيدا عن الأساليب التقليدية من خلال ادماج تقديم الفقرات والخطباء في لجّة العرض الروائي الراقص لمجموعة من الأطفال واليافعين الفلسطينيين. قلت في نفسي ربما أمسك بيد راعي الحفل وهو شخصية فلسطينية مرموقة وأرقص معه رقصا روائيا لا نتقنه نحن الاثنين ولكن تكريسا ودعما للفكرة، قلت في نفسي عنوان هذه الفعالية يذكرني بما قاله محمود درويش " آه يا جرحي المكابر وطني ليس حقيبة وأنا لست مسافر" قلت في نفسي أيضا سأحدث الحضور عن ارادة ذلك الطفل الفلسطيني الذي بترت رجله في مذبحة تل الزعتر عام 1976 وكان عمرة عامين ونصف العام وعندما كنا نخدم في مخيم عين الحلوة عام 1980 كنا نتابعه وهو يذهب على عكازيه صوب المدرسة ويحمل حقيبة على ظهرة، تلك الحقيبة التي فكرت أم علي من نساء المخيم أن تخيطها له كي يضعها على ظهره لآن يديه ستنشغل بالعكازات. وشاهدناه وهو يتخطى الحاجز الذي كنا نخدم عنده وأعطيناه " حبات الملبس" وتوجه " واثق الخطوة يمشى ملكا" نحو المدرسة بكل ثقة فصفقنا له. كنت اريد أن أتحدث عن صخر حبش " أبو نزار " رحمه الله عندما وصف الطفل الفلسطيني في زنازين التحقيق فقال شعرا

قالوا اعترف

وانهد سقف الصومعة

ورأى الفتى دون الكرامة مصرعه

صرخت هروات المحقق:

اعترف

واختر لتنجو واحدا من اربعة

اما رميت زجاجة نارية

او صخرة

او سرت وسط المعمعة

او شدت متراسا من الحقد

اعترف

واهرب بجلدك

من دوار الزوبعة

بصق الفتى دمه على جلاده

واجاب

اني قد فعلت الاربعة

وفكرت كثيرا لدرجة انني سهوت في صلاة التراويح ومع ذلك قلت مبررا " لا بأس عليك يا خالد" فكل ذلك لأجل أن تنجح فكرة الرقص الروائي لمجموعة من اليافعين الفلسطينيين الذين يملكون طاقات وابداعات جنبا الى جنب مع مهارة " رمي الحجر والمقاليع".

ما عليكم لن أطيل أيها الأحبة لكنني أردت أن أضعكم في مجموعة الأفكار التي تزاحمت لديّ فرحا بهذا الحدث النوعي.

اليوم، ذهبت برفقة ابنتي "حنين" لحضور عملية التدريب. دخلت الى القاعة الفسيحة، رأيتهم كخلية النحل، يتحركون هنا وهناك لم أشاهد التدريب فقد كانت فترة استراحة. أعمارهم لا تقل عن العشرة سنوات ولا تزيد عن العشرين، حضروا من أربعة مواقع فلسطينية. يرتدون زيا موّحدا للمتدربين وزيا موحدا أخرا للقادة من بينهم. سألت أحدهم ما هو شعورك؟ قال " احساس غريب"، فرحت جدا، لكنه أردف قائلا " لكنه ممزوج " قلت " بماذا؟" لم يجب حيث سمعت صراخا باللغة الانجليزية من المدرب. نظر اليّ هذا اليافع وقال " بنفسك ترى الان".

ربع ساعة أيها الأحبة قضيتها في القاعة. كانت كافية لأرى مسلسل رعب ولأصاب بوجع شديد في الرأس. صراخ من هذا المدرب وتهديد ووعيد بالحرمان من المشاركة في الاحتفال وتحميل جميلة " Stop Talking, no one should talk, only -------- . She spend the entire night dying to prepare the costumes for you, you should thank her.”

ولو كان يقول ذلك بهدوء لما كان هناك أية مشكلة، كان يجوب القاعة الكبرى هنا وهناك، يتحدث بصوت عال وصراخ وبفوقية ويشير باصبعة مهددا ومتوعدا الى أن جاءت الطامة الكبرى. فقد تناول أحد الأطفال ( في عمر 10 سنوات) زجاجة الماء ووضعها عند فمه ليشرب. عندها قامت قائمة هذا المدرب ولم تقعد، من بعيد وبحركة مسرحية متسلطة وبصراخ يصم الآذان وباصبع يشير نحوه صرخ " Do Not Drink " ولم يكن الطفل أصلا ملتفتا نحوه فلم يره ويبدو أنه أيضا ليس " ضليعا باللغة الانكليزية" فاستمر في الشرب، عندها صاح المدرب مجددا أمرا اياه بعدم الشرب لدرجة أن من حوله طلبوا من هذا الطفل باللغة العربية بأن لا يشرب، ارتعب الطفل ورجفت أوصاله وأغلق زجاجة الماء.

يا سلام، ارتكب الطفل جريمة نكراء بحق البشرية جمعاء، عطش فشرب. على الفور تذكرت " تسيمح" مدير معتقل أنصار 3 في صحراء النقب، الذي كان يدور على الأقسام ويصيح بالمعتقلين ويضرب ويبطش ويهدد ويتوعد. مدرب تعدى الستين عاما حليق الرأس كالنازيين الجدد يأتي ليصيح بالأطفال، يمارس ساديته، يهدد ويتوعد، يصيح ويثور ويموج تماما كما تسيمح. تذكرت تسيمح عندما وقف أمام السجناء في النقب وقال " مين فيكم زلمة" فأسرع – مفوتا الفرصة على غيره - الشهيد أسعد جبرا الشوا وفتح صدره عند السلك الشائك وقال له " احنا زلام يا جبان وان كنت زلمة طخ" فأرداه قتيلا واستشهد معه علي السمودي.

لم احتمل، رأيت تسيمح في قاعة التدريب اليوم وقفت وقلت له " أنت تعذب الأطفال" وخرجت.

توجهت الى صديقتنا واعتذرت منها قائلا أنني لا أستطيع عرافة الحفل لأن هذا المدرب أخرج الفكرة عن مضمونها. جادلتني قليلا بالقول أن المتدربين متعبين جدا ولا يلتزموا بالتعليمات. وبدا لنا الاثنين أن لكل منا وجهة نظره، فاعتذرت لها مجددا عن امكانية قيامي بعرافة الحفل. وطلبت مني على الأقل أن أحضر وقلت لها أنني لا أستطيع الحضور، اذا أراد أفراد العائلة الحضور فهذا راجع لهم.

خرجت غاضبا عل تسيمح الجديد وربما أن غلطتي الوحيدة التي ارتكبتها أنني لم أتوجه نحو تسيمح الجديد وأضربه وانتصر لهذا الطفل الذي أراد أن يشرب. أنا الذي لا يؤمن بهكذا منهج يقول ذلك، لكن الرفيق الشهيد أسعد جبرا الشوا ينظر اليّ مؤنبا. أعتذر منك يا أسعد لن أغفر لنفسي خطيئتي.

كيف لي أيها الأحبة أن أتولى عرافة حفل وأشيد به بالجهود التي أنجحت هذا الحفل وأصفق مع المصفقين على أيقاع تسيمح الجديد وعلى ايقاع أشبه بايقاع الجماجم.

أستميحكم عذرا جميعا، لا تسقني ماء الحياة بذلة ... بل فاسقني بالعز كأس الحنضل".

الأحد، 12 سبتمبر 2010

اليسا ... خذ بالك عليا

اليسا .... خذ بالك عليا

هواجس

المهندس خالد بطراوي

رام الله - فلسطين

" خذ بالك عليا دي مش معاملة تعاملني بيها وابقى افتكر ليا أيام تعبت عشانك فيها " بهذه الكلمات بدأت اليسا أغنيتها " خذ بالك عليا" وهي بذلك تدعو الى المعاملة بالمثل، بمعنى عليك أيها الحبيب أن تهتم بها "وتنتبه لها" تماما كما هي كانت قد فعلت في السابق عندما بذلت مجهودا كبيرا وتعبت أيما تعب فيما مضى وهي تهتم وترعى هذا الحبيب.

وبصراحة فانني أختلف مع هذا التوجه، لأن الانسان عندما يقدم ما يقدمه فانه يفعل ذلك من تلقاء نفسه ومن القيم والمثل التي تربى عليها وليس عرفانا لجميل كان قد قدمه ذات يوم اليه انسان آخر.

فكثيرة هي هذه الأيام التصرفات التي تنبع ليس من الأعماق وانما كرد جميل، حيث نرى عائلة لا تحضر هدية الى عائلة أخرى في مناسبة ما الا اذا كانت هذه العائلة قد أحضرت فيما مضى هدية. بمعنى أن مسألة التعامل بالمثل بدأت تطغى في الوقت الذي يجب أن ينطلق فيه الانسان من أخلاقياته ومثله وليس كردود فعل على أفعال آخرين.

لا يمكن لي أن أقبل مثلا بأن يعامل حبيب محبوبته باهمال أثناء مرضها تحت ذريعة أنها عندما مرض هو لم تهتم به، لأن ذلك الفعل يعني أن العلاقة هي علاقة منفعة ومصلحة تبادلية ليس الا.

وتتابع اليسا أغنيتها بالقول " يا ريتك بس تفهمني وما تستهونش بوحدة تبقى مجروحة وما بتبينش دي واحدة أد ما بتضحي وتستحمل أول ما بتفكر تنسى ما بتستأذنش".

وهنا أيضا أيها الأحبة تتابع اليسا منهج الملامة فهي أولا تتمنى أن يفهمها، فاذا كان هذا الحبيب لا يفهمها، فمعنى ذلك أن هناك خلالا في العلاقة ما بينهما، ولم ينجحا معا في أن يرتقيا بعلاقتهما على نحو يكون كل منهما قادر على أن يفهم الآخر حتى دون أن يتكلم. ثم تتابع مخاطبة الحبيب بالقول أنه لا يحس بواحدة مجروحة، وهذا " الواحدة" ليست أي كان، انها حبيبته، فاذا كان لا يحس بها، فهي مصيبة، اذا كان هذا الحبيب لا يحس بجرح المحبوبة ( وآصلا يجب أن لا يجرحها) فكيف له أن يحس بجراح الآخرين من حوله؟

وتضيف اليسا أن الحبيبة لا تحاول أن تظهر هذه الجراح وفي ذلك نبل وآصالة منها، لكن على الحبيب الحقيقي أن يستنبط هذا الجرح بنفسه. ويا سيدتي، أيتها الرائعة اليسا، اذا كان هذا الحبيب يسبب الجرح للمحبوبة ولا يشعر به، فهل تعتقدي أنه اذا أراد أن يتركها سوف يقوم بالاستئذان؟ أنه حبيب مصطنع ليس أكثر. من يحدث جرحا للناس ومن لا يشعر بما فعل ولا يعالج ما ارتكب على الفور، لن تكون لديه تلك الجرأه كي يستأذن عندما ينسحب، فان ذاتيته وأنانيته هي التي ستسيطر عليه في هذه الحالة.

وتتابع اليسا المعاتبة ( التي لا اتفق معها) بالقول كان في حاجات نقصاك وأنا كملتها، وحاجات كثير فيك مش حلوة وأنا جمّلتها" واعتقد أن ما فعلته اليسا هو عين الصواب، فلا يوجد أي انسان مكتمل، فالكمال لله وحده سبحانه وتعالى، وعلى المحبوب أن لا يسعى الى اظهار سلبيات الحبيب، بل يعالجها بصمت بل بصمت مدقع، وأن لا "يحمله جميلة" فيما بعد بأنه من أصلح عيوبه. ثم تقول اليسا " أنا فرصة لو ضيعتها حتزعل عليها" ولا أعتقد مطلقا أن العلاقة ما بين الحبيب والمحبوبة هي فرصة " فالعريس لقطة وغني ومعه جواز سفر أجنبي وعندو دار وسيارة ومصنع" وبالتالي فاذا كان هذا الحبيب أولا يجرح المحبوبة وثانيا لا يحس بجرحها وثالثا يغادر دون استئذان، ورابعا يعتبرها فرصة أو حتى " عابرة سرير" فهو في أفعالة هذه يقترب الى أفعال الانتهازيين الذين يعملون بمقولة " الغاية تبرر الوسيلة"

ثم تقول اليسا "مين غيري عايشه تخاف عليك طول عمرها ، مين غيري هتسيب روحها ليك لو سبتها ، مين غيري لو تحتاجلها..قوام هتلاقيها. ولا أدري ما الهدف من اطلاق هكذا عبارات، اذا كانت من باب التذكير فلا داعي لها، وان كانت من باب الملامة، أيضا لا داعي لها، لأن الانسان ينطلق بالأساس في أفعاله من قناعاته، فاذا كانت هي مقتنعة أنه يجب أن تخاف عليه، وأنه لو تركها فستعطيه روحها، وأنه عندما يحتاج لأن تكون بقربه، حتى لو خذلها مليون مرة، فلن تتردد ولو لحظة أن تقف الى جانبه، اذا كانت مقتنعة بذلك كله، فعليها أن لا تفكر مطلقا ولو لحظة بأنه يجب عليها أن يعاملها بالمثل دون أن تنطلق هذه المعاملة من صميم قناعاته ومن أعماق أعماقه.

بالمحصلة العامة علينا أن نتصرف كما نحن، أن نحب بعمق وليس كرد فعل على من التفت الينا أو أحبنا بسطحية، علينا أن نقدم منطلقين من قناعتنا وليس مجاملة أو كي نحمّل الآخرين "جميلة"، وعلينا أن نحفظ ذكريات جميلة حتى لو لم يحفظها غيرنا، وعلينا أن نكون دائما هناك الى جانب من يحتاجنا حتى لو هجرنا هو، حتى لو أساء الينا ذات يوم، فنحن نعمل منطلقين من قناعاتنا ومفاهيمنا وأحاسيسنا، ونحن الفقراء أقدر الناس على العشق كما قال ذات يوم صديقي الكاتب ابن المخيم أسامة العبسة.

موسيقى الأغنية جاءت على ايقاع حزين يرتفع أحيانا وينخفض وفي ذلك دلالة على أن اليسا وان كان تخرج ما في داخلها من "آهات" الا أنها ليست تذمرات أو شكاوى بقدر ما هي فضفضة داخلية، لأنني واثق كل الثقة أن من يحب، وحتى لو تركه هذا الحبيب المصطنع، وعندما يكون هذا الحبيب في أزمة، فان من أحب حقيقة سيكون هناك، واقفا الى جانبه بشد من أزره وعزيمته لا ليجعله يعود اليه، وانما لأن هذا هو الحبيب الحقيقي بعينه، ومن يحب لا يكره ولا يحقد ولا يتصرف الا بصفاء نفس وبهدف غاية في النبل والعزة.

أما لمعلمة الرياضيات التي طلبت مني أن أكتب عن كلمات الأغنية وصاحبة ريشة تشير الى لمسة فنان ، فأقول لها شكرا، ولا يمكنني بأي حال من الأحوال أن اقبل بمعادلة الحساب البسيطة 1+1= 2، ففي العلاقات البشرية الانسان هو الانسان، وكما يقول محمود درويش علينا " أن نحرس وردة الشهداء وأن نحيا كما نحن نشاء".


أترككم مع كلنمات الأغنية التي بالامكان الاستماع اليها على الرابط التالي:-

http://www.youtube.com/watch?v=VTAO27gMhpM&feature=related


خذ بالك علي


خذ بالك علي..دي مش معاملة تعاملني بيها


وابقى افتكر ليا..أيام تعبت عشانك فيها


ياريتك بس تفهمني وماتستهونشبوحدة

تبقى مجروحة ومابتبينش


دي الوحدة

أد ماتضحي وتستحمل


أول مابتفتكر تنسى مابتسأذنش


كان في حاجات نقصاك وأنا..كملتها


وحاجات كثير مش حلوة فيك..جملتها


أنا فرصة لو ضيعتها..حتزعل عليها


ياريتك بس تفهمني وماتستهونش بوحدة

تبقى مجروحة ومابتبينش


دي واحدة

أد ماتضحي وتستحمل


أول مابتفتكر تنسى مابتسأذنش




مين غيري عايشه تخاف عليك..طول عمرها


مين غيري هتسيب روحها ليك..لو سبتها


مين غيري لو تحتاجلها..قوام هتلاقيها

ياريتك بس تفهمني وماتستهونش بوحدة

تبقى مجروحة ومابتبينش


دي واحدة

أد ماتضحي وتستحمل


أول مابتفتكر تنسى مابتسأذنش






الأربعاء، 16 يونيو 2010

نوال الزغبي ... فوق جروحي

نوال الزغبي ... فوق جروحي

مأساة

يرويها المهندس

خالد بطراوي

رام الله - فلسطين

في أغنية واضحة كل الوضوح وفي بعد نسوي عميق واحساس مرير تبدأ نوال الزغبي أغنيتها الجديدة "فوق جروحي" بالقول " مش رجولة منك تاخذ روحي مش بطولة منك تمشي فوق جروحي" وهنا يأتي التساؤل " ما الذي تحاول أن تقوله نوال الزغبي وكيف أخذ هذا الذي تخاطبه روحها ومشى فوق جروحها".

ثم وبحركة من يدها تشير الى أن الكيل قد طفح تقول نوال الزغبي " بدك ترحل عادي بس اترك لي أولادي". وهنا نبدأ نحن في فهم المعاناة، فهي تخاطب زوجها، الذي قلب البيت "هم وغم" واحتملت هي " لأجل الأولاد" ويحاول الان أن " يبتزها بالاولاد" كي ترجع.

وتطلق صرخة "آه" وهي ترجوه بالقول " بترجاك تخليهم شو ذنبهم تأ نئذيهم" وفعلا لماذا عندما يقع الخلاف بين الازواج نجد أن الاطفال هم الضحايا حيث تجري عملية " متاجرة" بهم وبالطبع فان التاجر هو " الزوج" والمشتري هي " الزوجة" التي يكون لها الاستعداد دوما للتنازل عن كافة حقوقها لأجل " أن يبقى الأطفال معها".

وتقول نوال الزغبي بوضوح " جاي تحاربني فيهم أنا كرمالهم ضحيت" وهنا أستطيع أن أفهم دوما هذا الاحتمال الهائل الذي تحتمله الزوجة وصبر أيوب الكبير على امتداد سنوات حياتها الزوجية، واستعدادها لان " تحني رأسها وتتقبل كل الاهانات" لأجل اطفالها، بل وألأدهى من ذلك تقول نوال الزغبي أنه رغم ما كان يفعله هذا الزوج الذي من المفترض أن يكون نصفها الآخر، رغم كل ما فعله، فانها سعت لأن لا يراه أطفاله طاغية، بل زرعت في داخلهم حبهم لوالدهم، لدرجة أن " ناره حولتها جنة" لكنها تضيف وقد " طفح الكيل" بالقول " لكن لا تحلم أني فيك بيجمعني بيت" بمعنى أن سقف عش الزوجبة قد انهار.

وتواصل نوال الزغبي أغنيتها بالقول " ناطر قلبي يركع تتحس بالقوة غصب عني ارجع هاي هيّ القوة" أي أن الزوج المحترم يلعب على عامل الزمن، وقد غادرت البيت " حردانه" بسبب الظلم الكبير الواقع عليها والمعاناة الشديدة، بينما حجز الوالد " وربما بقوّة قانون الأحوال الشخصية" الآولاد عنده "رهائن" ومنعهم من لقاء والدتهم. وتتسأل نوال الزغبي ما الهدف من أن " طفلك تحرق دمه وتبعد عنه أمه" وفعلا ما هو الهدف أن تلحق الدمار النفسي بالطفل؟

اذا وعلى ايقاع لحن حزين عبّرت نوال الزغبي على امتداد أربع دقائق ونيّف وباختصار شديد، أنه طالما أن الحياة الزوجية قد أصبحت مستحيل، وطالما أن عش الزوجية قد بدأ بالانهيار، فلماذا نجعل من ذلك تكريس للفرقة والمعاناة والمس بكرامة المرأة وممارسة الابتزاز من خلال الأطفال وتحويلهم من "بشر" الى سلعة يتاجر بها هذا المتنفذ الذكر الذي يستمد قوته من قوانين الأحوال الشخصية سارية المفعول التي تحتاج الى اعادة نظر بما يحفظ انسانية المرأة والأطفال.

على مجتمعاتنا أن تبدأ بالتفكير جديا بالمشاعر والأحاسيس ، بالكيمياء الانسانية والمعادلات حيث لا يوجد في الحروب أي منتصر، بل الخسارة للجميع. علينا أن نكف النظر لأطفالنا على أنهم " ملكية شخصية لنا" اذ أن لهم مشاعرهم وأحاسيهم وعقولهم وعلينا أن ننمي لديهم القدرة على صنع واتخاذ وتنفيذ قراراتهم.

ما غنّته نوال الزغبي، هو رسالة الى مجتمعاتنا برمتها أولا، تقول أن المرأة ليست سرير، بل كتلة من المشاعر والأحاسيس والعقل المستنير والعواطف وعلينا أن ننتصر لها في تشريعاتنا الوضعية. وتقول نوّال الزغبي لكافة الحركات النسوية " كفّوا عن مناكفات الصالونات وثقافة النسكافيه" واستخدموا الفن والموسيقى والأدب للتعبير عن حجم معاناة المرأة والأطفال في مجتمات الذكور.

وفي الختام، لا بد لي أن أشكر من لفت نظري الى هذه الأغنية كي أكتب عنها.

بامكانكم الاستماع الى الأغنية من خلال الرابط التالي :-

http://www.youtube.com/watch?v=nqgky-O0CZM&feature=related

السبت، 12 يونيو 2010

صور من البوم جندي

صور من البوم جندي

قصة يرويها قبل نهايتها

المهندس

خالد بطراوي

رام الله - فلسطين

الصورة الأولى في الألبوم

- يا آفي ... مهمتك بسيطة، ستكون أول من ينزل على ظهر الباخرة، عليك أن تمّهد لنزول باقي الجنود عليها.

- الهدف هو السيطرة الكلية على هذه الباخرة اللعينة.

- ولكن، ماذا اذا واجهت مقاومة؟

- أنت من يسأل ذلك، الجواب معروف استخدم القوة.

- الى أي حد؟

ابتسم الجنرال وغادر الغرفة مرددا "غدا يوم الأبطال، غدا يوم ألأبطال".

الصورة الثانية في الألبوم

- أماه يا أماه، لن أتمكن من الحضور هذا الأسبوع لدينا بعض المهام.

- ليحفظك الله يا ولدي.

- سلامي للجميع

الصورة الثالثة في ألألبوم

ها أنا فوق الباخرة اللعينة، أنزل هذه اللحظة من المروحية بالحبل، أرى في الأسفل مجموعة من الأشخاص تتحرك على دكة الباخرة، ما العمل ليس أمامي الا أن أواصل النزول، هذه هي الأوامر. لا أستطيع آصلا الصعود والتراجع، فان فعلت، أولا سيزيدون في انزال الحبل ولن أتمكن من الصعود، وثانيا سيعتبرونني قد عصيت الأوامر العسكرية، وثالثا سيكون مصيري السجن والعار.

سانزل اذا فليس لي أي خيار آخر.

الصورة الرابعة في الألبوم

أنا اطلق الرصاص الان، أراهم يسقطون أمامي، أحدهم ابتسم لي قبل أن أعالجه برصاصة، لماذا ابتسم هذا اللعين لا أعرف.

المهم سيطرنا على الباخرة، وأسمع الصرخات والتأوهات والدماء من حولي في كل مكان.

الصورة الخامسة في الألبوم

أنا في القاعدة العسكرية، جميعهم يربتون على كتفي والجنرال يعدني بوسام ولكن فيما بعد عند انتهاء الضجة الاعلامية حول أحداث الباخرة.

الصورة السادسة في الألبوم

في البيت والدتي تبكي وتضمني اليها بقوة. قالت كلاما لم أفهمه، هي تبكي لأنني عدت سالما وفي ذات الوقت تبكي على من قتل من ركاب الباخرة، شقيقتي أسرعت الى المرحاض وتقيأت، لماذا لا أعرف حتى هذه اللحظة.

الصورة السابعة في الألبوم

أنا بطل أو جبان رعديد لا أدري، أنا قاتل أم مدافع عن الوطن لا أدري، أنا مفعم بالانسانية أو مجرد منها لا أدري.

الذي أدريه أنني منذ أن نزلت من حبل المروحية تحولت الى مجموعة من التناقضات يرافقها بكاء والدتي وتقيوء شقيقتي المتواصل ولغاية الان لا أعرف لماذا ابتسم لي ابن اللعينة قبل أن أطلق الرصاص عليه فأقتله.

الصورة الأخيرة في الألبوم

ماذا سيحصل لي لاحقا، لا أدري.

13/6/2010

الأربعاء، 26 مايو 2010

آصالة نصري ... يمين الله

آصالة نصري ... يمين الله

قسم

المهندس خالد بطراوي

فلسطين

القسم أيها الأفاضل هو أن تلزم نفسك بأمر ما، وأن تقسم الفنانة آصالة نصري في أغنيتها بـ " يمين الله" فهو التزام أبدي بأن " تحبه حب مالو حدود". وهكذا تبدأ الأغنية وآصالة تقود سيارتها فيما يلتقيها قادما من الاتجاه المعاكس " هذا الذي تحبه حب مالو حدود" فيستدير بسيارته ويتبع سيارة آصالة ويسعي الى أن يحاذيها فتقوم آصالة " باغلاق الطريق عليه " وهي مسألة لا أتفق معهما الاثنين بها، فالشارع ملك "الناس" أولا، والآمان على الطرق مسألة مهمة ثانيا، ويجب أن لا نعلم الجيل الجديد على تقليد هكذا أفعال ثالثا.

ثم ينتقل المشهد الى آصالة في بيتها والمحبوب في بيته فيما تتابع آصالة " وخلق الله ونجم الليل عليّ شهود" وأثناء ذلك يردها اتصال هاتفي منه وهي تتابع " عدد ما في السما نجمات، عدد ما في الرياض ورود".

وينطلق الفيديو كليب في مجموعة من المشاهد المترفة حيث الفيلا الجميلة وارض المرعى الخضراء ولباس آصالة الفاخر وكل ذلك من وجهة نظري يبتعد عن الواقع العام حيث لا يحيا معظم الناس هكذا حياة، وفي ذات الوقت فانني مقتنع تمام القناعة – دون التعميم – بما قاله ذات اليوم الكاتب الفلسطيني أسامة محيسن العيسه بأن " الفقراء أقدر الناس على العشق"، فلو جاء الفيديو كليب يظهر آصالة في ملابس عادية وتسير في أزقة وشوارع مخيم أو قرية منسية أو ما شابه لربما أعطى بالنسبة لي قسمها بالحب " اللي ما لو حدود" مفعولا أكبر.

وتتابع آصالة أغنيتها بالقول " ما أصعب غيابك وينك وويني، اذا نامت العين تنام بعيني، واذا أصحى نغم صوتك يصحيني، صباح الحب دا يا فرحة عمري تعود". والرجاء ملاحظة كيف تنظر آصالة للعلاقة عندما تقول اذا نامت عين الحبيب فانها تنام في عيونها أي تحت رعيتها، واذا ما أرادت أن تصحو فهي تصحو على نغم صوته، الذي هو صباح الحب تماما كما هو صباح الخير. فلو نهض كل منا واَضاف الى كلمة صباح الخير، أيضا صباح الحب لتعمق هذا المفهوم الانساني في الوجدان، وترجمت الأقوال الى أفعال.

وتتابع آصالة " مشتاقة لصوتك باسمي يناديني، اذا جارح زماني أنت تشفيني واذا زعل رضا عيونك يراضيني وكله يهون ما دام انو الوفا موجود" ومن الواضح هنا أن آصالة تتحدث عن الجروح التي يتسبب لها بها المجتمع وأن بلسم هذه الجروح هو هذا المحبوب، وتشدد آصاله على أن كل شىء يهون طالما أن " الوفا موجود" وأنا أضيف أيضا طالما أن الثقة موجودة وطالما أن كل يلتمس لأفعال الآخر أو أقواله عذرا اذا ما كان الفعل أو القول صدر بحق أي شىء أو أية صفة الا الكرامة الانسانية.

وتنتهي الأغنية بهدية الى آصالة عبارة عن سيارة فاخرة تزيد من عدم الرضاء الذي ينتابني والذي يربط العلاقات الانسانية بهدايا ثمينة، فقد تكون كلمة رقيقة أو مسحة دمعة، أو لمسة يد، أو زهرة، أو حتى ابتسامة أغلى بكثير من أغلى هدية قد نتخيلها.

لذلك كله أيها الأحبة عاهدوا انفسكم على " الحب بدون حدود" ولا تندموا علي هكذا عهد في أي يوم من الأيام، حتى لو – لا سمح الله – افترقتم عن الحبيب، لكن احرصوا أيضا على خلق معادلة موزونة ما بين الحب والكرامة، فان أقسمتم – مثلا - على مسألة مسّت كرامتكم فهذا لايعني أنكم تقللون بذلك من حبكم، لكن عليكم ان تعلموا أن قوّة الله العظمى في النسمة الرقيقة وليس في العاصفة.

بامكانكم الاستماع الى أغنية آصالة على الرابط التالي :-

http://www.youtube.com/watch?v=Z0DqAp9YgnQ

الجمعة، 21 مايو 2010

,وليد توفيق ... طير صغير

وليد توفيق ... طير صغير

تحليق

المهندس خالد بطراوي

فلسطين

على ايقاع منتظم متسارع متراكم ( كما بيت الشعر مكر مفر مقبل مدبر معا) يبدأ الفنان وليد توفيق في ترديد كلمات نزار فرنسيس أغنيته التي لحنها هو لنفسه ومن اخراج كريم كبارة بالقول " بعرف كان في طير صغير من شجرة لشجرة بطير ربيان بحضن الوادي" وهو بذلك يصور الحب الذي كان يجمعه بالحبيبة على أنه طير كان يحلق عاليا ويطير من هذه الشجرة الى تلك ويحيا في أحضان الوادي الواسع الرحب الملىء بالماء والخضار والطبيعة الخلابة.

لكن هذا الطير ( الحب) قد تأثر بمرور مجموعة من الصيادين الذين قاموا بسحب " أقسام أسلحتهم" فأحدثوا قرقعة السلاح البغيضة المعروفة ( مرقوا الصيادة بكير صرّخ صوت سلاح كتير) وكانت النتيجة أن جرى قتل هذا الطير ( الحب) " وتخردم طير الشادي"، بمعنى أن هذا الطير الذي كان يشدو أنشودة الصباح الباكر سرعان من خرّ صريعا برصاص مجموعة من الصيادين، وبالسياق فان الحب الذي كان يجمع وليد توفيق مع محبوبته قد قتل أثناء تحليقه من قبل مجموعة من الحاسدين والدساسين والرغايين وغيرهم ممن لا همّ لهم الا "التنغيص" على الآخرين في هذه الدنيا.

أما الفيديو كليب حتى هذه اللحظة فهو يصور وليد توفيق وهو يسير بين أحضان الطبيعة ويمر من أمام مجموعة من الناس التي تجلس هنا وهناك في آمان وطمأنينة، الى أن نصل الى بيت المحبوبة التي تجلس متألمة هي أيضا لفقدان هذا الحب.

ثم يتابع وليد توفيق بالقول " وقلبي مثلك يا عصفور من ولفي جنحه مكسور" أي أنه أيضا مجروح من موقف الحبيبة المتساوق مع دسائس الناس، لأننا نعيش " في عالم بالحب طيور وعالم مثل الصيادة" وفي أثناء ذلك وببراعة شديدة يظهر المخرج انتظار الحبيبة لخبر من الحبيب اذ يمر ساعي البريد الذي يشير برأسه أنه لا يحمل أية رسالة فتعود الحبيبة لتجلس مكانها حزينة. وفي هذا معلومات متناقضة لنا فكيف يصفها وليد توفيق بأنها تساوقت مع الصيادين " وقلبي مثلك يا عصفور من ولفي جنحه مسكور" وفي ذات الوقت يظهر الفيديو أنها قلقة أيما قلق وأنها تتوق لسماع حتى ولو كلمة واحدة، اللهم الا اذا أدركت خطائها ولكن جاء هذا الادراك متأخرا. وفي ذات الوقت لماذا علينا دوما أن نلقي بالملامة على الانثى في معادلات الحب والعلاقات؟

ثم يتابع وليد توفيق أغنيتة في لقطة فيديو كليب لشاب يصطاد سمكة لا ينجح المخرج في أظهار عملية الصيد حقيقية فالسمكة خرجت من البحيرة ميته " ما بتلعبط" ثم ينتقل الى مشهد حفل شواء في العراء، وفي ذلك كله تناقض فطالما أنك تهاجم من يصطاد الطير فكيف لك أن تشرّع من يصطاد السمك؟ ويتابع وليد توفيق أغنيته " بعرف عم تبكي يا طير من هالدنيا قل الخير، فلوا نواطير الغابة" وهو بذلك يتحدث عن غياب أولئك الناس من بين البشر الذين يحرصون دوما على رعاية مصالح الآخرين، وفي ذلك تعميم خاطىء، فما زالت بذرة الخير موجودة على هذه الأرض وكما قال الشاعر محمود درويش " على هذه الأرض ما يستحق الحياة".

ويتابع وليد توفيق أغنيته بالقول مخاطبا الطير " نفس الحالة أنا واياك ناطر وحدك ع الشباك ناطر وحدي ع بوابي" والسؤال هنا ماذا ينطر الطائر على الشباك، هل ينتظر الصياد الذي يصطاده أم ينتظر الانطلاق الى الفضاء الواسع بعد أن تفتح النافذة؟ وفي الجانب الآخر ما وجه الشبة بين انتظار هذا الطير وبين انتظار وليد توفيق على الباب، فوليد توفيق بلا شك لا ينتظر عند الباب أن يخرج لأن ذلك فعل لا يحتاج الى انتظار، لكنه ينتظر عودة المحبوبة، فكيف يكون هناك تشابها بين انتظار فتح الشباك للطير كي ينطلق وانتظار عودة المحبوبة الى الداخل، فالانطلاق الى الخارج لا يشابهه دخول الى الداخل. في الجانب الآخر طالما ان وليد توفيق متألم أيضا كما هي المحبوبة لماذا لا يأبه لما فعله الصيادون ولكلام الناس وينطلق نحو المحبوبة؟ لماذا يجب عاليها أن تحضر اليه وتجثو عند قدميه، لماذا لا يلقاها على الاقل في منتصف المسافة ما بينهما؟

ويصل وليد توفيق في أغنيته مجددا الى تعميم خاطىء بالقول " بعرف عم تبكي يا طير من هالدنيا قلّ الخير فلّوا نواطير الغابة" فيما يظهر الفيديو كليب تناقضا جديدا بوجود العصفور محبوسا في قفص، فهل هذا حقيقة ما يريده العصفور، هل يفضل أن يحشر في قفص كخيار مقابل أن يحلق في الغابة حتى ولو تلقى رصاصة صياد ماهر؟ وبذلك يذكرني بقصيدة " طعم الحرية" للشاعر العراقي أحمد الصافي النجفي التي يلتقي فيها عصفوران أحدهما طليق والاخر في قفص ويجري بينهما حوار على النحو التالي:-


تلاقى بروض بلبلان فواحد له قفص قد نيط بالفنن الاعلى
له حوله ما يشتهي من فواكه وحب وعيش يجمع الري والاكلا
وثان طليق باحث عن غذائه اذا لم يجده يغتذي الشمس والظلا
فناداه ذو العيش الرغيد الا ابتدر الى قفص اشركك في عيشتي المثلى
ألام طواف مزمن وتشرد ولما تذق أمنا نهارا ولا ليلا؟
وأرقد ملء العين لم اخش صائدا ولا اختشي نسرا ولا أتقي نصلا
اقضي نهاري بين الرقص والغنا كأن الغنا والرقص لي اصبحا شغلا
هلم لحلو العيش , قال رفيقه صدقت , لكن طعم حريتي احلى

وينتهي الفيدو كليب على مشهد لوليد توفيق وهو يخرج من باب منزله ليصل الى سيارة الحبية التي تبين أنها طليقته ويفتح باب السيارة ليحتضن الطفل الذي هو ثمرة الحب ما بينهما فيما تواصل المطلقة قيادتها مبتعده عنهما، بينما ملامح الحسرة والألم بادية على كليهما لأن طلاقهما – على ما يبدو - هو طلاق بائن بينونة كبرى.

فطالما أنكما متألمان لذلك كله فلماذا الاستمرار في هذه المعاناة لكما ولطفلكما، ومع ذلك يواصل وليد توفيق ترديد أغنيته " بعرف كان في طير صغير من شجرة لشجرة بطير ربيان بحضن الوادي".

وبالمحصلة العامة رغم جمالية اللحن والايقاع، وروعة الاداء واتقان الاخراج، الا أن الرسائل التي وصلتني كستمع متناقضة للغاية، أولها أنه لا يجوز التشبيه بين احتجاز الطير في قفص والعودة الى قفص الزوجية على أنهما حالة واحدة، فاحتجاز العصفور في قفص لا يشعر به تماما الا من قبع في الزنازين والسجون وأقبية التحقيق لذلك أشك أن سجينا سابقا باستطاعته أن يحبس عصفورا في قفص، والعودة الى عش الزوجية اذا كانت هذه العودة بقناعة وتفاهم ليست عودة الى قفص واحتجاز. وثانيا لا يصح التعميم والانطلاق من تجربة خاصة الى التعميم بأنه لم يعد في هذا الكون من يحرس القضية، اذا علينا كما يقول محمود درويش " أن نحرس وردة الشهداء وأن نحيا كما نحن نشاء". وثالثا علينا أن لا نحيل باللائمة دوما على المرأة واتهامها بأنها هي المحرك الاساسي لحالات الفرقة والطلاق وأن الذكر هو منزّه عن الأخطاء.

وختاما قد تتفقوا معي وقد تختلفوا ويا حبذا لو تكتبوا معلقين على ما كتبت ولكن بعد أن تستعموا الى الأغنية على الرابط التالي :-

http://www.youtube.com/watch?v=j_dku0phexk