الأربعاء، 31 مارس 2010

وائل جسار .... بتوحشيني

وائل جسار بتوحشيني

المهندس

خالد بطراوي

رام الله - فلسطين

على ايقاع الحان موسيقية شبة هادئة نظمها الملحن وليد سعد يردد الفنان وائل جسار كلمات نبيل خلف وهو في قاعة المغادرين في احدى المطارات حيث تبدو عليه علامات الحزن، فيما يتقدم نحو أحد الأشخاص طفل فيفتح ذراعيه لاحتضانه بينما نشاهد صورة الزوجة المغادرة.

وهنا تبدأ الحكاية فهي حكاية فراق بعد زواج وربما حب عاصف، وتبدأ الكلمات بالانسياب " بتوحشيني وقلتلك بس خايف أسألك أنا بوحشك لما بغيب وفرحت لما ارجعتلك".

وهنا سؤال واضح لا لبس فيه، اذ يقول وائل جسار أنه يفتقدها ويؤكد ذلك لكنه في ذات الوقت يتساءل ، هل هذا الشعور متبادل؟ بمعنى هل تفتقده هي عندما يغيب وهل تفرح لعودته؟ ويقفز للذهن فجأة هذا السؤال " لماذا يخشى وائل جسار أن يسأل؟" هل بسبب ضعف منه؟ أم بسبب خوف حقيقي من بطش المحبوبة أم لأي سبب آخر؟ باعتقادي أنه يخشى السؤال كي لا تصدمه الاجابة التي تقول " أنت يا وائل لا توحشني وأنا لا أفتقدك عندما تغيب".

وحتى لو قالت له "نعم بتوحشني وأفتقدك عندما تغيب" فهو يطلب أكثر من ذلك اذ يقول " المشاعر مش كلام، نفسي أحس بالاهتمام" ويريد أن يستشعر هذا الاهتمام ولو لمرة واحدة في حياته حتى ولو كان هذا الاهتمام منها مجرد أحلام وفقط في منامها " طمنيني مرة واحدة انشاء الله حتى في المنام".

وهنا واضح لنا أنه يشكك في مدى هذه الوحشة وهذا الافتقاد لدرجة أنه حتى لو كان هذه المشاعر لديها في المنام "وليس في الحقيقة" فانه سيكون مسرورا لأنه شعر بها ولو لمرة واحدة. وهذا بالتالي يقودنا الى الغوص في أعماق أعماق النفس الانسانية لمعرفة أن العلاقات الانسانية ليست مجرد القاء خطب وكلمات وعبارات "كليشيهات" جاهزة كما منشيتات الصحف وانما احاسيس ومشاعر عميقة تنبع من قلب القلب.

ويقول وائل جسار أنه كان يشعر في الماضي أن " ضي عيني كان مرايتك" أي انها كانت ترى نفسها من خلال الضوء المنبعث من عينيه، وكانت عيونه تروي حكايتها، لدرجة أنه كان يرى من خلالهما " بدايته ونهايته" ويقول "مستحيل أنا كنت أنسى أي همسة" لدرجة أن أية كلمة قالتها له حفرت حفرا في قلبه.

ويتابع وائل جسار استفساراته المتعبة بالقول " أنا دايما أسأل في الغياب والسؤال دايما ما لهوش غير جواب، نفسي أعيش لحظة فرح لما أحضنك من غير عتاب " ويصل الى ذروة تمنياته بالقول " صدقيني اتكلمي واتعلمي ازاي تحلمي ، بصي في عيوني بحنان وساعتها بس هتفهمي" فينطلق الى فكرة الحب الحالم دوما المحلق نحو ما هو جديد وما هو مصدر للتواصل الانساني بعيدا عن هموم الحياة والدنيا.

باختصار وائل جسار يقول أنه يتوجب عل المرء ذكرا كان أم أنثى أن يجيب لذاته على مجموعة من الأسئلة تتعلق بالطرف الآخر وعندها فقط تصبح المشاعر من أعماق الأعماق وليس مجرد شذرات كلامية وخطب رنانة.

بالامكان الاستماع الى الأغنية على الرابط التالي :-

http://www.youtube.com/watch?v=IQJgJMHIGHA

الأربعاء، 17 مارس 2010

صابر الرباعي .... عزّة نفسي

صابر الرباعي ... عزة نفسي

تأملات

المهندس

خالد بطراوي

رام الله – فلسطين

يبدا فيديو كليب الفنان صابر الرباعي على مشهد له وهو يقلب المسجل متنقلا من هذه الأغنية الى تلك من أغانيه، وتبدو على ملامحه في ذات الوقت الحيرة والقلق. ثم يترك الريموت ويلقيه بعيدا وفي لقطة اخراجية رائعة نشاهد صابر الرباعي ينتقل من هذه الزاوية الى تلك في المنزل ونشاهد لقطة أخرى لامرأة تلتقط قميصا وتبكي.

وعندها تبدا كلمات الشاعر نزار فرنسيس بالانسياب مع الأغنية لتوضح لنا " شو القصة"، اذ يغني صابر الرباعي " يوم اللي افترقنا بكانا الهوا" وهذا يعني أن هناك حالة فراق بينه وبين من يحب وأن هذا الفراق قد نجم عنه بكاء كلاهما. ويضيف " بالدمع احترقنا والقلب انكوى". ومع ذلك يردف صابر مغنيا " بعدو حبك فيّ ساكن وبشوفك بكل الآماكن". لكن صابر الرباعي يردد مؤكدا " والشوق بيندهني لكن والشوق بيندهني لكن والشوق بينهدني لكن " وهنا نتسائل لماذا هذا التأكيد بالثلاث وما الذي سوف يأتي بعد لكن، فيسرع صابر ليقول لنا " لكن عزة نفسي ما بتسمح لي أنسى جرحي واركض ليك " ولاحظوا هنا الحديث عن حالة تصادم بين نسيان ما حدث والمسامحة وبين تلك العزّة والكرامة التي يحملها الانسان في داخله وفي كيانه".

وفي ذات الوقت يعرض الفيديو المحبوبة وهي تقوم بقص شعرها، ولا بد أنكم جميعا تدركون هول الواقعة التي ألمت بها لدرجة أنها تقوم بنفسها بقص شعرها جراء الصدمة التي أيضا تقاطعت مع " عزة نفسها".

ومع ذلك يتابع صابر الرباعي مغنيا ويستمر الفيديو كليب في عرض مجموعة من المشاهد لصابر ومحبوبته كل يغوص في أعماق التراجيديا بينما يمر حبيبان من خلف صابر على قارعة الطريق يمسكان ببعضهما البعض ويقطعهما جسد صابر ثم يعودان للامساك بأيدي يعضهما البعض في جو ممطر وكل ذلك له دلالات.

وتنتقل لقطة الفديو كليب نحو مشهد لاثنين يجلسان في مقهى بينما يغني صابر " شافونى لحالي سألوني البشر ، قلت من الليالي ضيعت القمر" ويتابع " شو بعمل مش قادر خبّي بعدها باسمك تكت قلبي دايب شوفك لكن صعبة" ويعود صابر الرباعي ليؤكد مجددا " دايب شوفك لكن صعبة دايب شوفك لكن صعبة" ليعود مجددا الى مسألة "عزة النفس".

لقد ذكرني ذلك كله بقصة رائعة لكاتب الواقعية الاشتراكية الروسي مكسيم غوركي بعنوان " ماكار شودرا – حكاية زوبار والحب والموت". وملخص القصة هو أنه " كان ُ يعيش في إحدى قبائل الغجر فتى اسمه زوبار وهو فتى يمتاز بشعره الذهبي الطويل وسواعدهُ الملتفة كأغصان الكرمة طويل القامة ممشوقة كأنها الرمح المزروع في رمل الصحراء وصدره المكشوف دائماً قد لوحته أشعة الشمس فحولت لونه إلى لون الذهب الذي يشع بلا توقف وكانت تلوح على وجهه علامات العنفوان والكبرياء الذي يشع من عينيه.


كان زوبار كالعاصفة لا يستقر في مكان وليس لظهوره زمن، أما موطنه فكان ظهر فرسه وسيفه قيثارته التي لو عزف عليها لحلقت بنفسك إلى عالم علوي ندركه ولكن لا نشعر به وألحانه تقبض على عواطفك فتعصرها لتخلصها من الكره ثم ترمي بها في آفاق رحبة لا حدود لها، وكان شهما سخيا لن يتردد في أن يمنح من يطلب خيله الذي يحبه.

وكانت هناك رادا فتاة تضافرت عناصر الطبيعة لتجعل منها ملاك سكن في جسد إنسان
بيضاء لدرجة إذا شربت الماء شف من عنقها، وكانت طاهرة طهر الورود جميلة جمال الزنبقة صوتها صوت سرمدي تتسابق الكلمات لتعزف نفسها على أحبالها الصوتية بالإضافة إلى هذا كانت قوية الشخصية سقط دونها جميع الشباب الذين تقدموا لخطبتها.


وتبدأ قصتنا في ليلة قمرية حيث كانت قبيلة رادا مجتمعة حول النار بينما رادا تنشد أغنية بصوتها محلقة بهم إلى عالم لازودري.


وإذا بأصوات حوافر خيل قادمة من البعيد ولم تك هذه الخيل إلا فرس زوبار الذي جاء يشده هذا الصوت الرائع.


وما إن وصل حتى تقدم الجميع للسلام عليه إلا أنه لم يأبه لهم وتقدم من رادا غير محول نظره عنها غير أنها رمقته بنظرة غير آبه رغم أن بعضهم لاحظ رعشة قد مرت بجسدها.


قالت رادا تخاطب زوبار:-

من أنت؟

فأجابها :-

أنا زوبار وهذه قيثارتي التي صنعت أوتارها من حناجر الفتيات الذين وقعوا بحبي.

عندها ردت عليه :-

ما أغباهم وما أقل حظهم وفطنتهم حتى يقعوا بحب مثلك.

فعقب قائلا:-

وأنت هل تنكرين أني أثرت بك أكثر من غيري؟

عندها قالت له:-

يا لغبائك وضيق أفقك ومن أنت حتى أفعل ذلك.

وهنا تدخل والد رادا قائلا:-

لتتركوا هذا العراك ولتغني يا رادا ولتعزف يا زوبار على قيثارتك فليلنا طويل وأنتم خمرة هذا الليل.

وبدأت رادا بالغناء على أنغام قيثارة زوبار فكانت سيمفونية توقفت لحظات الزمن فيها ولامست القلوب فيها حدود الأبدية.

هدأ كل شيء حتى نسمات الليل وألسنة اللهب على أنغام زوبار وصوت رادا.



ومرت الأيام وزوبار يأتي كل ليلة يجلس بجانب رادا يعزف وهي تغني إلى أن أتت ليلة تقدم منها وقال لها:-


رادا أقسم أنني أحببتك أكثر من نفسي ولذا أطلبك زوجة

فأجابته:-

إني لا أنكر أنك أثرت بي وفتحت قلبي لأول مرة ولكنك غير قادر على مهري

قال متحمسا:-

لو طلبت قمر السماء سأحضره

فقالت:-

أبدا كل ما أطلبه منك أن تقبل قدمي أمام قبيلتي وعندها أكون لك رفيقة وقلبي معبدا لك.

فأجابها:-

أنت تطلبي المستحيل لزواجنا

فقالت مصممه :-

هذا مهري إن لم تقدر عليه دعني وشأني.


وخيم صمت على الجميع فنهض زوبار وامتطى صهوة حصانه وأطلق عنانها للريح
مرت سبعة أيام والجميع ينتظر قدوم زوبار وغابت عن لياليهم السمر والغناء واختفت رادا بخيمتها دون أن تظهر إلى أن جاءت تلك الليلة العظيمة عندما عاد زوبار بعد اختفاءه طويل وتقدم من خيمة رادا وقال لها:-

أردت مهرك تقبيل قدمك وأنا جاهز لذلك، أخرجي أمام القوم.

وكان ان خرجت رادا. وامتلأ الوادي بأهل القبيلة والقبائل المجاورة ليشاهدوا هذا الشاب الشجاع وهو يجثو عند قدمي رادا ليقبلها.

تقدمت منه رادا وجثى هو على قدميه قبالتها وأمسك يديها وضمها إلى صدره، ثم صاح صيحة ارتجت لها سفوح الجبال وقال " أرادت رادا أن أقبل قدمها أمامكم جميعا، أنني أعشقها وسوف أفعل ذلك"، أخفض رأسعة عند قدمي رادا، وعلت الأصوات والتأوهات الصادر عن الحضور .

وفجأة بدأت رادا تتهاوى على الأرض وأدرك الجميع أن خنجراً أغمده زوبار في صدرها في سرعة البرق قد أدى إلى سقوطها مثل ورقة الخريف.


فقالت له رادا وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة وقد وضعت خصلة من شعرها في جرح الخنجر:-

كنت أعرف أنك ستفعل ذلك ولو لم تفعل لما كنت زوبار الذي أحببت. إنك يا حبيبي تحب عنفوانك أكثر مني وأنا أحب حريتي أكثر منك لكن الحب الذي جمع قلبينا بدأ يتغلب على إباءك وحريتي ولذا كان لابد من أن تقتلني لتحفظ لك إباءك وتبقيني حرة يا حبيبي.


وتجمدت الشفتين العذبتين عند هذه الكلمة العذبة " حبيبي" وسقط فوقها زوبار يبكيها بحرقة وعندها تقدم والد رادا من زوبار وأغمد خنجره في ظهر زوبار الذي رفع رأسه قليلا مبتسما قائلاً:-


شكرا لك الآن جمعتنا يا عم جمعتني بعزتي مع رادا بحريتها ولا يهم إن كان هذا الاجتماع في مملكة الموت.


وسكنت حركة زوبار وضمت تلك البقعة من الآرض جسد رادا وفوقها زوبار ووالد يبكهما بحرارة.

وهنا تنتهي قصتنا ومعها تملآ قلوبنا رهبة الموقف ونعود لنستوعب أكثر فأكثر أغنية صابر الرباعي "عزّة نفسي" وربما عندما نسمعها مجددا يقفز الى أذهاننا قصة الغجرية رادا رائعة الجمال والعاشقة للحرية وزوبار عزيز النفس.

بامكانكم أيها ألحبة الاستماع الى أغنية صابر الرباعي "عزة نفسي" على الرابط التالي :-

http://www.youtube.com/watch?v=HQ5QnGx3WLU

الأربعاء، 10 مارس 2010

عينتيني وصلي ع النبي

عينتيني وصلي ع النبي

وقفة

المهندس خالد بطراوي

رام الله – فلسطين

عندما ذكرت لزميلتي مهندسة الديكور عن قصة " عينتيني وصلي ع النبي " أحضرت لي بعد أيام الطبعة الثالثة من كتاب الشاعر الفلسطيني المهجري وليد محمد الكيلاني يحمل عنوان " لوحات شعرية من التراث النابلسي".

وقد جاء في اهداء الكاتب " أهدي هذه اللوحات الشعرية من التراث النابلسي الى كل نابلسي ونابلسية آملا أن يقرأوها لابنائهم".

والشاعر وليد الكيلاني من مواليد مدينة نابلس عام 1938 وقد حصل على بكالوريس في العلوم التجارية عام 1961 من جامعة عين شمس في جمهورية مصر العربية. كما حصل على ماجستير في الإقتصاد عام 1968 من جامعة ولاية يوتا في الولايات المتحدة. وعمل في الكويت في مصفاة البترول الوطنية ثم البنك المركزي بين الأعوام 1968-1972، ثم عمل مستشاراً إقتصادياً في كندا في الفترة 1973-1974، كما شغل وظيفة خبير مالي في البنك الدولي في واشنطن في الفترة 1974-1977، ثم التحق في الصندوق العربي للإنماء الإقتصادي في الكويت كخبير مالي أول خلال الفترة 1977-1982، وكان من المؤسسين لمكتب الشال للاستشارات الإقتصادية في الكويت وعمل مستشاراً اقتصادياً ومالياً في المكتب في الفترة 1982-1990، هاجر إلى الولايات المتحدة على أثر حرب الخليج في نهاية عام 1990 ويعمل رئيساً لمجموعة الشال العقارية في دلاس في ولاية تكساس.
يكتب الشاعر وليد الكيلاني الشعر باللغتين العربية والإنجليزية وساهم في ندوات شعرية في عدد من المدن الأمريكية، وهو عضو في اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين، وقد صدر له مجموعة من الدوواين الشعرية منها صور من الواقع العربي، لوحات شعرية من التراث النابلسي، قصائد وأغاني، بالاضافة الى كتيبات الأشعار أرض الاديان بالعربية والانجليزية ، سندرلا، اشعار الغابة.

كما وكتب الشاعر وليد الكيلاني كلمات بعض الأغاني للفنانين لطفي بشناق، الهام مدفعي، هاني العمري، عاصي الحلاني، نانسي بترو، عامر الخفش، وعامر وليد.

أما القصيدة التي أريد أن اتوقف عندها فهي قصيدة "عينتيني" وهي تتحدث عن شخصيتين نابلسيتين جابت أزقة البلدة القديمة ، الأولى لضرير كان يجر عربة في داخلها مقعد. لذلك فقد أسمى الضرير هذا المقعد بـ "عينتيني" لأنه كان يرشده كيف يقود العربة يمينا أو يسارا، أما المقعد فوجد ضالته في أن يتنقل به أحدهم هنا وهناك. فكان ان التقت الشخصيتان في علاقة جدلية لتداخل المصالح المشتركة. فاطلق من باب "النكتة" على المقعد لقب "عينتيني" بينما سمى المقعد الضرير بـ" صلي ع النبي" لأنه كثيرا ما كان يردد هذه العبارة الطيبة أثناء كلامه.

وكي تكتمل اللوحة "الملحمة" كان لا بد من أن يسعى الاثنين الى طلب الرزق، وكان الهدف من ذلك تأمين مقومات الحد الأدنى للحياة بالنسبة اليهم في القوت اليومي واللباس المتواضع والسيجارة.

فسجل في تاريخ نابلس وتحديدا في سجل البلدة القديمة في نابلس أن "عينتيني وصلي ع النبي" كانا شخصيتان يومية تصنعان تاريخا شفويا وحكايا جزء منها صحيح وجزء منسوب اليهما. وكان الاثنان يتنقلان في أزقة البلدة القديمة وكان "عينتيني" يحمل جرسا ويملك صوتا جهوريا يمر أمام المحال يدعو لها وذاك، فينقّده أصحاب المحال والمارة ما تيسر من نقود أو مأكل أو ملبس أو ما شابه، كان يقتسمه مع " صلي ع النبي".

وكي تكتمل الصورة، كي تكتمل هذه اللوحة فقد كان الصبية يتحلقون حول الاثنين، وكانوا يستفزون الضرير "صلي ع النبي" الذي كان يترك العربة وبداخلها "عينتيني" ويلحق بالصبية مطلقا أقذع الشتائم. وقد حدث أن ترك العربة على منحدر، فتسارعت وكادت أن تودي بحياة "عينتيني" الذي كان يجلس في العربة وهي تسير بسرعة كبيرة ولا يدري ما الذي يفعله.

وقد رصد شاعرنا وليد الكيلاني ذلك كله في لوحة شعرية جاء فيها :-

عينتيني ... يسعدك ربك

كان بنابلِس رجال يسموه عينتيني

لسانه ماضي وبإيده يمسك جرس رنان

وكان في الستة وثلاثين دمه فاير

والتحق يحارب مع الثوار في الميدان

وكان عينتيني جرئ وما يهاب الموت

ومحسوب ضمن النشامى الشجعان

وفي يوم كان هاجم وضربته بمبه

ونتيجتها طارت منه الرجلين والسيقان

وراحت رجليه اللي كان بوقف عليها

لكنه ظل واقف صامد يتحدى الزمان

وكان عينتيني يلبس جكيت رمادي

وهوَّ وجكيته ما عمرهم يفترقان

ويلبس طاقيه صوف بشرابه على راسه

ويخليها صيف شتا حران أو بردان

وحواجبه زي البرواز فوق عيونه

إللي زي عيون الصقر بتلمع لمعان

وكان عينتيني دمه خفيف كتير

والناس يمزحوا معاه وهو بالنُكْتِهْ فنان

وشاطر بترويج أفلام السينما والبضايع

وعامل إذاعه متجوله للدعاية والإعلان

وكان زعيم أدب الشارع النابُلسي

واصطلاحاته لا زالت بترن بالآذان

وكان يركب بقلب عربايه خضره

ويتنقل فيها رايح جاي وين ما كان

وكان يجر العربايه شخص اسمه محمد

درويش) وعنيّاته مسكين غلبان

وكان عينتيني محكوم للقمة العيش

وما حيلته في الدنيا غير هالتُّمْ واللسان

وغالبية الأيام كان يمر يمدح الناس

ويرن جرسه النحاس مرتين قدام كل دكان

ويقول روح عينتيني يسعدك ربك اللي خلقك

وما يورجيك ربك زُل أو حرمان

وكثير من الناس كانوا يحنُّوا ويشفقوا عليه

ويعطوه إللي فيه النصيب ويقدموله الإحسان

ولما يمر عينتيني ومحمد في الشوارع

يلحقوهم ولاد نابلِس كأنه ماشي كرقان

يلحقوهم ولاد نابلِس كأنه ماشي كرقان

والولاد ولاد كما هي دايما العاده

ومنهم الآدمي والبعض منهم كان شيطان

ومرات يغافلوا محمد وينكشوه ويهربوا

وينبسطوا لما اتقبع معاه ويصير زعلان

ولما ينكشوه كان يترك ويرمي إللي بإيده

ويلحق الولاد أسرع من الصاروخ هيجان

وبقولوا إنه عينتيني نزل يبهدل في واحد

وخلاّ الرِّجَّال مغتاظ منه وزعلان

وصار من زعله بده ينتقم من عينتيني

وسلط عليه من الحاره بعض الصبيان

وربطوله لما كانت العرباية براس الشويتره

وهناك الطريق عاليه وبتطل على الوديان

وكان محمد نازل وطاعج جسمه لورا

وعماله بجر العربايه وهوَّ سرحان

ونكشوه الولاد في قفاه, ترك عينتيني

في قلب العرباية وراح يجري ورا الولدان

وصارت العرباية تدحل بسرعة كبيره

واختل توازنها وانقلبت عَبسْتان

ووقع عينتينى مطَبّش وحالته حاله

مجروح من الصخور وجسمه بالدم مليان

وصاح ولك يا محمد ليش تركتني

قاله نكشوني ولحقتهم بدك اسكت وانهان

قاله عينتينى ولك كان أنكشني بدلها

وما تتركني أسقط في الواد يا خيبان

والله تياستك راح تجيب أجلي

كسرتلي جسمي وخليتني بالدم غرقان

وشرطي المرور نزل من عن المنصه

يستفسر عن الحادث ويشوف مين اللي غلطان

وعينتيني ما كان جاي علباله يحكي

نَفَسُه مقطوع ومن الوقعه هلكان

وقال الشرطي لعينتيني شو اللي جرالك

مَرّت العربايه قُدامي زي الطيران

قاله عينتيني إنت جاي تحقق معي

وأنا حالتي حالة ومكسور لي ضلعان

ليش أنا زمرتلك عشان تأشّرلي

روح حل عني يستر عليك ربك يا فلان

أنا مش عاوز حد يعملي مزبطه

عاوزلي حد ياخدني علمُسْتشفى الآن

وعاش عينتينى بعدها فترة صغيره

لكن صدى صوت جرسه بقي في البلد رنان

وكانت حياة عينتيني مأساه ومماته مأساه

وقسوة الزمان مرات ما بترحم الإنسان


وبالامكان زيارة موقع الشاعر وليد الكيلاني الالكتروني التالي :-

www.wkeilanipoetry.org

الأحد، 7 مارس 2010

ماجدة الرومي - كن صديقي

في يوم المرأة العالمي

ماجدة الرومي .... كن صديقي

اضاءات

المهندس خالد بطراوي

رام الله – فلسطين

في الثامن من آذار من كل عام تحتفل البشرية بيوم المرأة العالمي. وقد يمر البعض مرور الكرام أمام مناسبة هذا اليوم، فيما يستهتر البعض الآخر أو يتحدثون باستخفاف عن أهمية هذا اليوم. ولكن الحقيقة الدامغة التي لا يمكن أن ينكرها أحد أن اتخاذ قرار باعتماد هذا اليوم كيوم للمرأة العالمي لم يكن حصيلة لقاء في " صالون سياسي" أو " ترف فكري" بل نتيجة نضال للمرأة، وتحديدا في مصنع للنسيج في الولايات المتحدة عندما أعلنت النساء العاملات الاضراب المتصاعد يوميا اعتبارا من 28/2/1908 احتجاجا على ظروف العمل السيئة وتدني الأجور. ومع تفاعل الأحداث المتعلقة بالاضراب والرضوخ لمطالب العاملات آنذاك توّجت جهود الحركة النسائية العمالية آنذاك باعتماد الثامن من آذار يوما عالميا للمرأة.

ومن هنا يجب أن لا يمر هذا اليوم مرور الكرام، بل يتوجب التوقف عنده بوصفه حدثا نضاليا طبقيا متميزا يضع النقاط على الحروف بالنظر الى المرأة ليس بوصفها " نصف المجتمع الجميل" فقط بل ونصف المجتمع بكافة تفاعلاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والدينية.

وفي هذا اليوم تحديدا تستوقفني أغنية الفنانة ماجدة الرومي "كن صديقي" ويستوقفني فيها أكثر ما يستوقفني عبارة " فلماذا تهتم بشكلي ولا تدرك عقلي" لان ذلك هو لب الموضوع. اذا علينا أن نكف عن النظر الى المرأة بوصفها "جسدا" بل علينا أن نرتقي بذهنيتنا وذهنية الأجيال اللاحقة ونرى المرأة الانسانة بعقلها وفكرها وخلجاتها وانفعالاتها وأحاسيها وأحزانها وأفراحها.

لذلك كله بدأت ماجدة الرومي أغنيتها بالقول " كم جميل لو بقينا أصدقاء فان كل امرأة تحتاج الى كف صديق" وتتابع فتقول " كن صديقي" بمعنى حتى لو اختلفنا في الرأي حتى لو افترقنا لسبب ما فلماذا لا نبقى أصدقاء، ولماذا أيها الذكر لا تدرك حقيقة الحاجة الى " كف صديق". وتقول ماجدة الرومي أيضا أن " هواياتي صغيرة واهتماماتي صغيرة وطموحي أن أمشي ساعات معك تحت المطر" ولكن متى هذا المسير؟ عندما تكون هي بأمس الحاجة لهكذا مطر وتحديدا " عندما يسكنني الحزن ويبكيني الوتر". ولاحظوا هنا التعبير " عندما يسكنني الحزن" بمعنى عندما تتشرب المرأة الحزن من رأسها الى أخمص قدميها وعندما تدمع عينها لمعزوفة موسيقية، عند تلك اللحظة أيها الأحباب فانها تحتاج الى " كف صديق".

وهنا تنتقل ماجدة الرومي الى التساؤل المهم وهو بيت القصيد " فلماذا تهتم بشكلي ولا تدرك عقلي" وتتابع أغنيتها قائلة " أنا محتاجة جدا لميناء سلام" ولاحظوا هنا أيضا التعبير "ميناء سلام" فالحاجة ليست هنا حاجة عابرة، هي حاجة باخرة عملاقة جاهدت طوال الأيام وربما الأسابيع أو الأشهر أو السنوات السابقة وهي تمخر عباب المحيطات وآن لها أن ترسو في الميناء وترتاح، بمعنى أن ماجدة الرومي تتحدث عن "استراحة المحارب" اذا أن ماجدة الرومي متعبة " من قصص العشق وأخبار الغرام".

وبلهجة آمرة تدعو ماجدة الرومي ذلك الانسان الى أن يتكلم وتشدد على ذلك أكثر من مرة " تكلم تكلم تكلم، فلماذا عندما تلقاني تنسى نصف الكلام، أنا محتاجة جدا لميناء سلام، فلماذا تهتم بشكلي، ولا تدرك عقلي" وتختم ماجدة الرومي أغنيتها بالطلب وبالحاح لأن يكون الذكر " صديقي" فليس " في ألامر انتقاص من الرجولة" لتصل الى نتيجة حقيقية (من وجهة نظري) وهي " أن الشرقي لا يرضى الا بادوار البطولة".

اذا أغنية ماجدة الرومي بكلمات بسيطة ولكنها مكثفة تقول لنا أولا أن المرأة ليست " جسدا" وأنها بحاجة دوما الى "كف صديق" وأنه يجب ينظر الى "لعقلها" وأنها مطلبها هو بسيط للغاية " ميناء سلام" وأن التعامل معها وفقا لهذا السياق " لا ينتقص من الرجولة" وأن الذكر عليه أن يتخلى عن " ادوار البطولة".

وما أقوله أنا لماجدة الرومي " بوركت" فقد لخصت احدى المعادلات الصعبة بكلمات بسيطة، لكنني أضيف أيضا أن الحاجة الى " كف صديق" لا تقتصر فقط على المرأة بل يحتاجها الرجل أيضا.

وعودة على بدء، الثامن من آذار يوم المرأة العالمي، حيث أذكر أغنية نضالية عراقية يقول مطلعها " للمرأة غنواتنا والها محباتنا كلنا نغني نغني ونناضل ايد بايد". اذا معا نحو المستقبل.

نون النسوة عظيمة فكل عام وأنتن بخير وسيأتي ذلك اليوم الذي لا يكون هناك اجتراح للمأثرة والبطولة الفردية اللهم الا عندما تكون في سياق حركة المجموع.

بامكانكم الاستماع الى أغنية ماجدة الرومي على الرابط التالي :-

http://www.youtube.com/watch?v=R2KpVmdOv68

الجمعة، 5 مارس 2010

فارس كرم والغربة

فارس كرم والغربة

نداء من

المهندس

خالد بطراوي

رام الله - فلسطين

في لقطة بداية مؤثرة يبدأ فادي حداد وهو مخرج فيديو كليب أغنية الفنان فارس كرم "غربة" بصرخة فرح تطلقها أم فارس حيث تخرج الى "بلكونة" المنزل القديم وهي تصيح لتبلغ "أبو فارس" بالقول " جاي فارس يا أبو فارس، حبيب قلب أمه، لم الضيعة جاي فارس، لم الضيعة جاي فارس" لتطلق بعدها "زغرودة" تليق بالمناسبة وكيف لا، ففلذة كبدها في طريق عودته بعد سنوات من الغربة.

ثم ينتقل المخرج أيضا ببراعة الى بلد الغربة حيث يوجد فارس وعلى ما يبدو فانه يعمل في مؤسسة تعنى بالمال والاقتصاد. ونشاهد فارس يجلس خلف مكتبه ويراقب مؤشرات السوق المالي وينطلق مغنيا " الله يلعن بي الغربة شو سوت بحالي ، مُرة ومررت قلبي وسرقت مني الغالي". ويضيف فارس بحسرة " قلنا وبنسافر سنتين وبنرجع ع الضيعة" ولكن ذلك لم يحدث اذا يردف قائلا " ضاع العمر وبعدو حسين ما خلص هالبيعة". وبعد هذا التصريح الذي ينم عن معاناة شديدة بلغت ذروتها نجد الفنان فارس كرم وقد قام بتمزيق الأوراق التي كان يدرسها ويلقي بها من النافذة وكأنه بذلك يقول لنا " خلص لم أعد احتمل بعد".

وينتقل المخرج الى خارج المؤسسة التي يعمل بها فارس ونجد في انتقاله حركة الناس السريعة التي تحاكي عجلة الحياة اليومية، وينطلق فارس في أغنيته بالقول " ويلي ويلي ويلي ويلي الله يعين اللي عندو عيلة، عايش ع الشمعة مهموم وعم يتحمم بالكيلة، دللي ودلللي يا دللي يا تعتيري ويا دلي، شو صاير بالهناس كله عايش بالقلة". وفي ذلك اشارة واضحة الى أنه ورغم الجهود التي يبذلها الناس في العمل الا أنهم يعيشون عيشة ضنكة بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية، اذ تحول الانسان الى ماكنة ليس أكثر".

ويعيدنا المخرج مجددا الى قرار العودة الى أرض الوطن حيث ينتقل بنا الى المطار ونشاهد مجموعة من أهالي ضيعة فارس وقد حضروا الى المطار لدرجة أن سلطات المطار قد تساهلت معهم وسمحت باستقبال فارس تماما حيث حطت الطائرة وفي ذلك اشارة الى "عظم الواقعة".

ويطل فارس من بوابة الطائرة ملوحا والأعلام اللبنانية تستقبله وكذلك ذويه ومعارفه وأصدقاءه ويتابع أغنيته " شو مشتاق لأمي وبيّ واختي تكوي ثيابي، اسمع شى كلمه حنية تنسيني عذابي، بسافر شاب وارجع شايب تا ارتاح شويّ، بيرجع ما بلاقي الحبايب شو صعبة يا خيّ" وفي ذلك اشارة من من توفي و/او سافر أثناء غياب فارس. ويظهر مخرج الفيديو كليب ببراعة أيضا حرارة اللقاء ولحظاته الأولى من لقاء الابن بأمه وأبيه وعائلتة في مشهد للفرح تدمع له العين.

ويتابع فارس كرم أغنيته بالحديث عن سنه الحياة بالقول " وهي هي هي هي، هالدنيا هي هي، بترجع ناس وبتمشي ناس والدنيا هي هي" ويردف قائلا " يمي ويمي ويمي ويمي، مش قادر انسى همي، مثل خيال بعمري صار ، وصاير عم يمشي بدمي" ونشاهد موكب العودة الى الضيعة يسير في الشارع بينما يرفرف العلم اللبناني.

وعندما يدخل الموكب الى الضيعة يجري الاستقبال الأكبر ويتوقف فارس كرم عن الغناء ليتيح المجال امام الزجال الشعبي اللبناني مرحبا بعودة " ابن الضيعة" حيث ينطلق قائلا " يا فارس قال القوال أهلا فيك بضيعتنا لا يهمك ان خسرت المال بيكفي ربحت محبتنا".

ويعود فارس كرم الى أغنيته ويظهر المخرج لقطات من الاستقبال اللبناني حيث "المشاوي" و " جرن الكبه النية" و " خبز التنور" ويردد فارس كرم " ما بدي هالغربة راجع على الضيعة لاقوني، بدي ارجع بوس ترابها هالارض الحنونة، عيش بالهدنيا واتهنى وضلك عايش راضي، راحت رجعت طلعت نزلت راح تزعل ع الفاضي".

ويصل الفنان فارس كرم الى نتيجة مفادها " جنة جنة جنة جنة هالدنيا والله جنة ، اسمع منى ورّيح هالبال وضلك عايش متهني" ويخاطب الغربة قائلا " عني وعني وعني وعني يا غربة حلي عني، فرقتي كل الاحباب وأخذتي الغالي مني" .

ينهي المخرج فادي حداد الفيديو كليب على صور لفارس وقد عاد الى الأرض يزرعها ويشرب من ينبوعها.

اذا هي استراحة لكل شخص في الغربة وهي دعوة له كي يعود الى أرض وطنه والى أهله وأحبابه فمهما بعد الانسان ومهما انغمس في واقع الحياة المرير لن يجد أكثر حنانا وأكثر دفئا من ضيعته وقريته ومدينتة وبلده وأهله، فهناك فقط سر الحياة وروعة الجمال والاوكسجين النقي حتى لو عانت بلده من ويلات الحروب أو غيرها من الكوراث الطبيعية وغير الطبيعية فالأرض هي الوطن والوطن هو الانسان وسوف نبقى جميعا " على صدورهم باقون" وكما قال الشاعر الفلسطيني محمود درويش " على هذه الأرض ما يستحق الحياة"، فأهلا وسهلا بكل عائد من الغربة الى أرض وطنه.

أما أنا المتواجد على أرض وطني فقد شاركت قبل ساعات من كتابتي هذه عائلة كادحة تحتفل بزواج ابنها ثم ذهبت لتأدية واجب العزاء لعائلة أخرى فقدت أحد أبنائها، وتلك معادلات الحياة في الحياة والموت والأفراح والأتراح وأن تكون بين الناس وليس في الغربة، قد استمعت الى أغنية فارس كرم وأنا أقود سيارتي عائدا من المناسبتين وتذكرت كل شخص في الغربة أعرفه ولا أعرفه من بلدي أو من غير بلدي، فقلت لماذا لا أخاطبهم جميعا وأدعوهم للعودة كل الى وطنه ولذلك المغترب أو تلك المغتربة التي ربما أقصدها نداء خاص.

بامكانكم تحميل الأغنية والاستماع اليها على الرابط التالي :-

http://www.youtube.com/watch?v=AQmB-yppY50