الأربعاء، 17 مارس 2010

صابر الرباعي .... عزّة نفسي

صابر الرباعي ... عزة نفسي

تأملات

المهندس

خالد بطراوي

رام الله – فلسطين

يبدا فيديو كليب الفنان صابر الرباعي على مشهد له وهو يقلب المسجل متنقلا من هذه الأغنية الى تلك من أغانيه، وتبدو على ملامحه في ذات الوقت الحيرة والقلق. ثم يترك الريموت ويلقيه بعيدا وفي لقطة اخراجية رائعة نشاهد صابر الرباعي ينتقل من هذه الزاوية الى تلك في المنزل ونشاهد لقطة أخرى لامرأة تلتقط قميصا وتبكي.

وعندها تبدا كلمات الشاعر نزار فرنسيس بالانسياب مع الأغنية لتوضح لنا " شو القصة"، اذ يغني صابر الرباعي " يوم اللي افترقنا بكانا الهوا" وهذا يعني أن هناك حالة فراق بينه وبين من يحب وأن هذا الفراق قد نجم عنه بكاء كلاهما. ويضيف " بالدمع احترقنا والقلب انكوى". ومع ذلك يردف صابر مغنيا " بعدو حبك فيّ ساكن وبشوفك بكل الآماكن". لكن صابر الرباعي يردد مؤكدا " والشوق بيندهني لكن والشوق بيندهني لكن والشوق بينهدني لكن " وهنا نتسائل لماذا هذا التأكيد بالثلاث وما الذي سوف يأتي بعد لكن، فيسرع صابر ليقول لنا " لكن عزة نفسي ما بتسمح لي أنسى جرحي واركض ليك " ولاحظوا هنا الحديث عن حالة تصادم بين نسيان ما حدث والمسامحة وبين تلك العزّة والكرامة التي يحملها الانسان في داخله وفي كيانه".

وفي ذات الوقت يعرض الفيديو المحبوبة وهي تقوم بقص شعرها، ولا بد أنكم جميعا تدركون هول الواقعة التي ألمت بها لدرجة أنها تقوم بنفسها بقص شعرها جراء الصدمة التي أيضا تقاطعت مع " عزة نفسها".

ومع ذلك يتابع صابر الرباعي مغنيا ويستمر الفيديو كليب في عرض مجموعة من المشاهد لصابر ومحبوبته كل يغوص في أعماق التراجيديا بينما يمر حبيبان من خلف صابر على قارعة الطريق يمسكان ببعضهما البعض ويقطعهما جسد صابر ثم يعودان للامساك بأيدي يعضهما البعض في جو ممطر وكل ذلك له دلالات.

وتنتقل لقطة الفديو كليب نحو مشهد لاثنين يجلسان في مقهى بينما يغني صابر " شافونى لحالي سألوني البشر ، قلت من الليالي ضيعت القمر" ويتابع " شو بعمل مش قادر خبّي بعدها باسمك تكت قلبي دايب شوفك لكن صعبة" ويعود صابر الرباعي ليؤكد مجددا " دايب شوفك لكن صعبة دايب شوفك لكن صعبة" ليعود مجددا الى مسألة "عزة النفس".

لقد ذكرني ذلك كله بقصة رائعة لكاتب الواقعية الاشتراكية الروسي مكسيم غوركي بعنوان " ماكار شودرا – حكاية زوبار والحب والموت". وملخص القصة هو أنه " كان ُ يعيش في إحدى قبائل الغجر فتى اسمه زوبار وهو فتى يمتاز بشعره الذهبي الطويل وسواعدهُ الملتفة كأغصان الكرمة طويل القامة ممشوقة كأنها الرمح المزروع في رمل الصحراء وصدره المكشوف دائماً قد لوحته أشعة الشمس فحولت لونه إلى لون الذهب الذي يشع بلا توقف وكانت تلوح على وجهه علامات العنفوان والكبرياء الذي يشع من عينيه.


كان زوبار كالعاصفة لا يستقر في مكان وليس لظهوره زمن، أما موطنه فكان ظهر فرسه وسيفه قيثارته التي لو عزف عليها لحلقت بنفسك إلى عالم علوي ندركه ولكن لا نشعر به وألحانه تقبض على عواطفك فتعصرها لتخلصها من الكره ثم ترمي بها في آفاق رحبة لا حدود لها، وكان شهما سخيا لن يتردد في أن يمنح من يطلب خيله الذي يحبه.

وكانت هناك رادا فتاة تضافرت عناصر الطبيعة لتجعل منها ملاك سكن في جسد إنسان
بيضاء لدرجة إذا شربت الماء شف من عنقها، وكانت طاهرة طهر الورود جميلة جمال الزنبقة صوتها صوت سرمدي تتسابق الكلمات لتعزف نفسها على أحبالها الصوتية بالإضافة إلى هذا كانت قوية الشخصية سقط دونها جميع الشباب الذين تقدموا لخطبتها.


وتبدأ قصتنا في ليلة قمرية حيث كانت قبيلة رادا مجتمعة حول النار بينما رادا تنشد أغنية بصوتها محلقة بهم إلى عالم لازودري.


وإذا بأصوات حوافر خيل قادمة من البعيد ولم تك هذه الخيل إلا فرس زوبار الذي جاء يشده هذا الصوت الرائع.


وما إن وصل حتى تقدم الجميع للسلام عليه إلا أنه لم يأبه لهم وتقدم من رادا غير محول نظره عنها غير أنها رمقته بنظرة غير آبه رغم أن بعضهم لاحظ رعشة قد مرت بجسدها.


قالت رادا تخاطب زوبار:-

من أنت؟

فأجابها :-

أنا زوبار وهذه قيثارتي التي صنعت أوتارها من حناجر الفتيات الذين وقعوا بحبي.

عندها ردت عليه :-

ما أغباهم وما أقل حظهم وفطنتهم حتى يقعوا بحب مثلك.

فعقب قائلا:-

وأنت هل تنكرين أني أثرت بك أكثر من غيري؟

عندها قالت له:-

يا لغبائك وضيق أفقك ومن أنت حتى أفعل ذلك.

وهنا تدخل والد رادا قائلا:-

لتتركوا هذا العراك ولتغني يا رادا ولتعزف يا زوبار على قيثارتك فليلنا طويل وأنتم خمرة هذا الليل.

وبدأت رادا بالغناء على أنغام قيثارة زوبار فكانت سيمفونية توقفت لحظات الزمن فيها ولامست القلوب فيها حدود الأبدية.

هدأ كل شيء حتى نسمات الليل وألسنة اللهب على أنغام زوبار وصوت رادا.



ومرت الأيام وزوبار يأتي كل ليلة يجلس بجانب رادا يعزف وهي تغني إلى أن أتت ليلة تقدم منها وقال لها:-


رادا أقسم أنني أحببتك أكثر من نفسي ولذا أطلبك زوجة

فأجابته:-

إني لا أنكر أنك أثرت بي وفتحت قلبي لأول مرة ولكنك غير قادر على مهري

قال متحمسا:-

لو طلبت قمر السماء سأحضره

فقالت:-

أبدا كل ما أطلبه منك أن تقبل قدمي أمام قبيلتي وعندها أكون لك رفيقة وقلبي معبدا لك.

فأجابها:-

أنت تطلبي المستحيل لزواجنا

فقالت مصممه :-

هذا مهري إن لم تقدر عليه دعني وشأني.


وخيم صمت على الجميع فنهض زوبار وامتطى صهوة حصانه وأطلق عنانها للريح
مرت سبعة أيام والجميع ينتظر قدوم زوبار وغابت عن لياليهم السمر والغناء واختفت رادا بخيمتها دون أن تظهر إلى أن جاءت تلك الليلة العظيمة عندما عاد زوبار بعد اختفاءه طويل وتقدم من خيمة رادا وقال لها:-

أردت مهرك تقبيل قدمك وأنا جاهز لذلك، أخرجي أمام القوم.

وكان ان خرجت رادا. وامتلأ الوادي بأهل القبيلة والقبائل المجاورة ليشاهدوا هذا الشاب الشجاع وهو يجثو عند قدمي رادا ليقبلها.

تقدمت منه رادا وجثى هو على قدميه قبالتها وأمسك يديها وضمها إلى صدره، ثم صاح صيحة ارتجت لها سفوح الجبال وقال " أرادت رادا أن أقبل قدمها أمامكم جميعا، أنني أعشقها وسوف أفعل ذلك"، أخفض رأسعة عند قدمي رادا، وعلت الأصوات والتأوهات الصادر عن الحضور .

وفجأة بدأت رادا تتهاوى على الأرض وأدرك الجميع أن خنجراً أغمده زوبار في صدرها في سرعة البرق قد أدى إلى سقوطها مثل ورقة الخريف.


فقالت له رادا وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة وقد وضعت خصلة من شعرها في جرح الخنجر:-

كنت أعرف أنك ستفعل ذلك ولو لم تفعل لما كنت زوبار الذي أحببت. إنك يا حبيبي تحب عنفوانك أكثر مني وأنا أحب حريتي أكثر منك لكن الحب الذي جمع قلبينا بدأ يتغلب على إباءك وحريتي ولذا كان لابد من أن تقتلني لتحفظ لك إباءك وتبقيني حرة يا حبيبي.


وتجمدت الشفتين العذبتين عند هذه الكلمة العذبة " حبيبي" وسقط فوقها زوبار يبكيها بحرقة وعندها تقدم والد رادا من زوبار وأغمد خنجره في ظهر زوبار الذي رفع رأسه قليلا مبتسما قائلاً:-


شكرا لك الآن جمعتنا يا عم جمعتني بعزتي مع رادا بحريتها ولا يهم إن كان هذا الاجتماع في مملكة الموت.


وسكنت حركة زوبار وضمت تلك البقعة من الآرض جسد رادا وفوقها زوبار ووالد يبكهما بحرارة.

وهنا تنتهي قصتنا ومعها تملآ قلوبنا رهبة الموقف ونعود لنستوعب أكثر فأكثر أغنية صابر الرباعي "عزّة نفسي" وربما عندما نسمعها مجددا يقفز الى أذهاننا قصة الغجرية رادا رائعة الجمال والعاشقة للحرية وزوبار عزيز النفس.

بامكانكم أيها ألحبة الاستماع الى أغنية صابر الرباعي "عزة نفسي" على الرابط التالي :-

http://www.youtube.com/watch?v=HQ5QnGx3WLU

ليست هناك تعليقات: