الأربعاء، 10 مارس 2010

عينتيني وصلي ع النبي

عينتيني وصلي ع النبي

وقفة

المهندس خالد بطراوي

رام الله – فلسطين

عندما ذكرت لزميلتي مهندسة الديكور عن قصة " عينتيني وصلي ع النبي " أحضرت لي بعد أيام الطبعة الثالثة من كتاب الشاعر الفلسطيني المهجري وليد محمد الكيلاني يحمل عنوان " لوحات شعرية من التراث النابلسي".

وقد جاء في اهداء الكاتب " أهدي هذه اللوحات الشعرية من التراث النابلسي الى كل نابلسي ونابلسية آملا أن يقرأوها لابنائهم".

والشاعر وليد الكيلاني من مواليد مدينة نابلس عام 1938 وقد حصل على بكالوريس في العلوم التجارية عام 1961 من جامعة عين شمس في جمهورية مصر العربية. كما حصل على ماجستير في الإقتصاد عام 1968 من جامعة ولاية يوتا في الولايات المتحدة. وعمل في الكويت في مصفاة البترول الوطنية ثم البنك المركزي بين الأعوام 1968-1972، ثم عمل مستشاراً إقتصادياً في كندا في الفترة 1973-1974، كما شغل وظيفة خبير مالي في البنك الدولي في واشنطن في الفترة 1974-1977، ثم التحق في الصندوق العربي للإنماء الإقتصادي في الكويت كخبير مالي أول خلال الفترة 1977-1982، وكان من المؤسسين لمكتب الشال للاستشارات الإقتصادية في الكويت وعمل مستشاراً اقتصادياً ومالياً في المكتب في الفترة 1982-1990، هاجر إلى الولايات المتحدة على أثر حرب الخليج في نهاية عام 1990 ويعمل رئيساً لمجموعة الشال العقارية في دلاس في ولاية تكساس.
يكتب الشاعر وليد الكيلاني الشعر باللغتين العربية والإنجليزية وساهم في ندوات شعرية في عدد من المدن الأمريكية، وهو عضو في اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين، وقد صدر له مجموعة من الدوواين الشعرية منها صور من الواقع العربي، لوحات شعرية من التراث النابلسي، قصائد وأغاني، بالاضافة الى كتيبات الأشعار أرض الاديان بالعربية والانجليزية ، سندرلا، اشعار الغابة.

كما وكتب الشاعر وليد الكيلاني كلمات بعض الأغاني للفنانين لطفي بشناق، الهام مدفعي، هاني العمري، عاصي الحلاني، نانسي بترو، عامر الخفش، وعامر وليد.

أما القصيدة التي أريد أن اتوقف عندها فهي قصيدة "عينتيني" وهي تتحدث عن شخصيتين نابلسيتين جابت أزقة البلدة القديمة ، الأولى لضرير كان يجر عربة في داخلها مقعد. لذلك فقد أسمى الضرير هذا المقعد بـ "عينتيني" لأنه كان يرشده كيف يقود العربة يمينا أو يسارا، أما المقعد فوجد ضالته في أن يتنقل به أحدهم هنا وهناك. فكان ان التقت الشخصيتان في علاقة جدلية لتداخل المصالح المشتركة. فاطلق من باب "النكتة" على المقعد لقب "عينتيني" بينما سمى المقعد الضرير بـ" صلي ع النبي" لأنه كثيرا ما كان يردد هذه العبارة الطيبة أثناء كلامه.

وكي تكتمل اللوحة "الملحمة" كان لا بد من أن يسعى الاثنين الى طلب الرزق، وكان الهدف من ذلك تأمين مقومات الحد الأدنى للحياة بالنسبة اليهم في القوت اليومي واللباس المتواضع والسيجارة.

فسجل في تاريخ نابلس وتحديدا في سجل البلدة القديمة في نابلس أن "عينتيني وصلي ع النبي" كانا شخصيتان يومية تصنعان تاريخا شفويا وحكايا جزء منها صحيح وجزء منسوب اليهما. وكان الاثنان يتنقلان في أزقة البلدة القديمة وكان "عينتيني" يحمل جرسا ويملك صوتا جهوريا يمر أمام المحال يدعو لها وذاك، فينقّده أصحاب المحال والمارة ما تيسر من نقود أو مأكل أو ملبس أو ما شابه، كان يقتسمه مع " صلي ع النبي".

وكي تكتمل الصورة، كي تكتمل هذه اللوحة فقد كان الصبية يتحلقون حول الاثنين، وكانوا يستفزون الضرير "صلي ع النبي" الذي كان يترك العربة وبداخلها "عينتيني" ويلحق بالصبية مطلقا أقذع الشتائم. وقد حدث أن ترك العربة على منحدر، فتسارعت وكادت أن تودي بحياة "عينتيني" الذي كان يجلس في العربة وهي تسير بسرعة كبيرة ولا يدري ما الذي يفعله.

وقد رصد شاعرنا وليد الكيلاني ذلك كله في لوحة شعرية جاء فيها :-

عينتيني ... يسعدك ربك

كان بنابلِس رجال يسموه عينتيني

لسانه ماضي وبإيده يمسك جرس رنان

وكان في الستة وثلاثين دمه فاير

والتحق يحارب مع الثوار في الميدان

وكان عينتيني جرئ وما يهاب الموت

ومحسوب ضمن النشامى الشجعان

وفي يوم كان هاجم وضربته بمبه

ونتيجتها طارت منه الرجلين والسيقان

وراحت رجليه اللي كان بوقف عليها

لكنه ظل واقف صامد يتحدى الزمان

وكان عينتيني يلبس جكيت رمادي

وهوَّ وجكيته ما عمرهم يفترقان

ويلبس طاقيه صوف بشرابه على راسه

ويخليها صيف شتا حران أو بردان

وحواجبه زي البرواز فوق عيونه

إللي زي عيون الصقر بتلمع لمعان

وكان عينتيني دمه خفيف كتير

والناس يمزحوا معاه وهو بالنُكْتِهْ فنان

وشاطر بترويج أفلام السينما والبضايع

وعامل إذاعه متجوله للدعاية والإعلان

وكان زعيم أدب الشارع النابُلسي

واصطلاحاته لا زالت بترن بالآذان

وكان يركب بقلب عربايه خضره

ويتنقل فيها رايح جاي وين ما كان

وكان يجر العربايه شخص اسمه محمد

درويش) وعنيّاته مسكين غلبان

وكان عينتيني محكوم للقمة العيش

وما حيلته في الدنيا غير هالتُّمْ واللسان

وغالبية الأيام كان يمر يمدح الناس

ويرن جرسه النحاس مرتين قدام كل دكان

ويقول روح عينتيني يسعدك ربك اللي خلقك

وما يورجيك ربك زُل أو حرمان

وكثير من الناس كانوا يحنُّوا ويشفقوا عليه

ويعطوه إللي فيه النصيب ويقدموله الإحسان

ولما يمر عينتيني ومحمد في الشوارع

يلحقوهم ولاد نابلِس كأنه ماشي كرقان

يلحقوهم ولاد نابلِس كأنه ماشي كرقان

والولاد ولاد كما هي دايما العاده

ومنهم الآدمي والبعض منهم كان شيطان

ومرات يغافلوا محمد وينكشوه ويهربوا

وينبسطوا لما اتقبع معاه ويصير زعلان

ولما ينكشوه كان يترك ويرمي إللي بإيده

ويلحق الولاد أسرع من الصاروخ هيجان

وبقولوا إنه عينتيني نزل يبهدل في واحد

وخلاّ الرِّجَّال مغتاظ منه وزعلان

وصار من زعله بده ينتقم من عينتيني

وسلط عليه من الحاره بعض الصبيان

وربطوله لما كانت العرباية براس الشويتره

وهناك الطريق عاليه وبتطل على الوديان

وكان محمد نازل وطاعج جسمه لورا

وعماله بجر العربايه وهوَّ سرحان

ونكشوه الولاد في قفاه, ترك عينتيني

في قلب العرباية وراح يجري ورا الولدان

وصارت العرباية تدحل بسرعة كبيره

واختل توازنها وانقلبت عَبسْتان

ووقع عينتينى مطَبّش وحالته حاله

مجروح من الصخور وجسمه بالدم مليان

وصاح ولك يا محمد ليش تركتني

قاله نكشوني ولحقتهم بدك اسكت وانهان

قاله عينتينى ولك كان أنكشني بدلها

وما تتركني أسقط في الواد يا خيبان

والله تياستك راح تجيب أجلي

كسرتلي جسمي وخليتني بالدم غرقان

وشرطي المرور نزل من عن المنصه

يستفسر عن الحادث ويشوف مين اللي غلطان

وعينتيني ما كان جاي علباله يحكي

نَفَسُه مقطوع ومن الوقعه هلكان

وقال الشرطي لعينتيني شو اللي جرالك

مَرّت العربايه قُدامي زي الطيران

قاله عينتيني إنت جاي تحقق معي

وأنا حالتي حالة ومكسور لي ضلعان

ليش أنا زمرتلك عشان تأشّرلي

روح حل عني يستر عليك ربك يا فلان

أنا مش عاوز حد يعملي مزبطه

عاوزلي حد ياخدني علمُسْتشفى الآن

وعاش عينتينى بعدها فترة صغيره

لكن صدى صوت جرسه بقي في البلد رنان

وكانت حياة عينتيني مأساه ومماته مأساه

وقسوة الزمان مرات ما بترحم الإنسان


وبالامكان زيارة موقع الشاعر وليد الكيلاني الالكتروني التالي :-

www.wkeilanipoetry.org

ليست هناك تعليقات: