الخميس، 26 نوفمبر 2009

سعد

سعد

( عن رواية ذكرها شقيقي)

آهات

المهندس

خالد بطروي

لا يدري سعد ما الذي حصل معه. يسمع أصواتا من حوله. ربما هي زوجته تتحدث مع شقيقه. أو ربما آخرين يتحدثون. لا يفهم شيئا من هذا الحديث. لكن الأجواء مليئة بالضوضاء، يرى حلقات تدور وكانما هو نفسه داخل دوامه. رأسة يدور ويدور، ويشعر وكانما شيئا يجذبه الى القعر، يحاول أن ينهض من فائدة، يحاول أن يخرج من الدوامة من دون فائدة.

وفجاة رشة ماء على وجهه أنهضته، فتح عينية، سمع أصواتا تلهج بالشكر الى الخالق المولى " الحمد لله" " الحمد لله" " لقد فاق".

بدأ يرى شيئا فشيئا. شاهد شقيقه وشاهد زوجته، نعم اذا هم من كانوا يتحدثون. ثم شاهد فتاة بلباس أبيض، فادرك دونما حاجة لعناء تفكير أنه في المستشفى. حاول أن ينهض، لم يستطع. عاجلته الممرضة بالقول " انتبه أنت كلك في الجبس".

ماذا؟ ما الذي حل بي؟ أين أنا؟ ما الذي حصل؟

كل ذلك دار في رأسه لكنه لم يستطع أن يصرح بهذه التساؤلات فقد عاد الى غيبوبته. مع ذلك بقي يسمع الأصوات. لا يدري كم مكث من الوقت لكنه رائحة قوية أيقظته وعاد الى وعية مع رشة ماء أخرى.

بقي سعد ممدا على السرير، طلبت شربة ماء فعاجلته زوجته بقنينة ماء، شرب حتى ارتوى بينما زوجته كانت تمتم " الله لطف، الله لطف، الحمد لله، الحمد لله". ومع ذلك ظل ممدا على السرير.

سمع صوت شقيقه يصيح مهددا " والله لأطخهم، والله لأكسرهم زي ما كسروه، شو بيفكروا حالهم". بينما كانت زوجته تردد " الله يسامحهم، الله على الظالمين".

بدا سعد يستوعب شيئا فشيئا، ما يذكره أن مجموعة من رجال الشرطة قد انهالت عليه ضربا وساعدهم أشخاص يرتدون لباسا مدنيا ويحملون مسدسات. وما يذكره أن ذلك حصل يوم وقفة العيد، وفي منتصف السوق الشعبي.

سعد هذا الذي بقي لفترة طويلة عاطلا عن العمل، لدرجة أنه كان يبحث عن أعقاب السجائر الملقاة على الطرقات كي يدخنها، قد خطرت له فكرة، أن ينشىء بسطة قبل العيد ويبيع عليها أي شىء. فالناس في العيد تشتري الأخضر واليابس كما قال له جاره "أبو أحمد".

البسطة لا تحتاج الا الى ثلاثة أو أربعة حجارة توضع فوق بعضها البعض من كل جانب، لوح فنيرة وشوال رز فارغ. أما البضاعة فمن عند ذلك التاجر الذي يوزع بضاعة على البسطات المؤقتة " برسم البيع" ولا يطلب أي ضمانة.

قال سعد لنفسه " شو خسرانين، ما هو احنا قاعدين". وبالفعل أسرع الى سوق البسطات الذي خصصته البلدية مؤقتا، وأنشأ البسطة وطلب من صاحب بسطة مجاورة أن يحرسها له. هرع الى التاجر الذي بعد أن استفسر عن هويته ومكان سكناه، قال له أنه قد حضر متأخرا وجرى توزيع البضاعة على الجميع وبالتالي ربما في العيد القادم يكون بامكانه العودة " وانشاء الله خير".

أخذ سعد في رجاء التاجر، الذي أمام الحاحه قال له لم يتبق من البضائع الموزعة الا صنف واحد من البضائع لم تأخذه أية بسطة". فأسرع سعد قائلا " أنا موافق، أي شىء ، الأرزاق على الله سبحانه وتعالى". صاح التاجر بأبنه قائلا " يا ولد ... أعطي سعد الكلاسين".

" ماذا؟ كلاسين .... بسطة كلاسين .... هاي أخرتها" قال سعد في داخله لكنه أردف " كلاسين، كلاسين، المهم رزقة".

حمل سعد ربطات الكلاسين، فرد جزء منها على البسطة، جلس على حجر هناك منتظرا. مرت ساعة، ساعتان، لم يبع سوى ثلاثة كلاسين، أي أن ما ربحه بالكاد يمكنه من شراء أربعة سجائر. والعيد على الأبواب والأولاد بدهم عيديه.

داهمه الوقت، قلّ عدد المتواجدين في السوق، يا الله ماذا يفعل، اشتط غضبا، أمسك بقمعة سيجارة عن الأرض أشعلها، ازداد غضبه، ما الذي يفعل، وصل لدرجة التأزم أمسك يكلسون وأخذ بالصياح

" لطيزك .... لطيز أبوك ..... لطيز أمك ..... لطيز مرتك .... لطيز ابنك .... لطيز جارك .... لطيز جارتك .... لطيز حبايبك"

تجمهر المتسوقين حوله، وأخذوا في الضحك وازدادت حركة الشراء بل وتجمهر الناس.

أمام هذه الجمهرة، سرّ سعد أيما سرور، فاعتلى البسطة وأمسك بكلسون ستاتي وأخذ يلوح به ويصيح " لطيز الحكومة .... لطيز الرئيس ..... لطيز الوزراء " وعندها لمح شرطيا فصاح قائلا " وكمان لطيز الشرطة وببلاش تعالوا يلله والبلاش، لطيز الشرطة وببلاش بعوض الله وببلاش".

ها هو الان يرقد في المستشفى مصابا بكسور في مختلف أنحاء جسده، أما ما الذي حصل عند البسطة فهو ما لا يستطيع تذكره على الاطلاق، كل ما يذكره أن شرطيا وضع كلسونا في فمه فتوقف على الدعاية لجلب الزبائن وغاب عن الوعي.

نشرت الصحف صباح هذا اليوم خبرا مفاده أن مغرضا سوف يقدم أمام محكمة أمن الدولة بتهمة التحريض على قلب النظام والتخابر مع جهات أجنبية.

9/10/2009

واه يا عبد الودود

بسم الله الرحمن الرحيم

واه يا عبد الودود

بقلم

المهندس خالد بطراوي

في زمن خلا من وسائل الاتصال الالكترونية، كانت الرسائل هي وسيلة الاتصال بين الأهل والأحبة، وكان ساعي البريد هو الشخص الذي تنتظره الحبيبة وينتظره الأب، وتنتظره الزوجة والأبناء فهو الذي يحمل هذا المغلف السحري، حيث رسمة الطائرة والعنوان المكتوب بخط اليد وطابع البريد ورسالة الحبيب.

مطلع السبعينات، رصد الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم بحسه المرهف هذه الظاهرة، وغنى قصيدته المرحوم الشيخ امام تحت عنوان " واه يا عبد الودود".

وكانت القصيدة عبارة عن رسالة من والد عبد الودود الى ابنه المرابط على الخط المتقدم من الجبهة، فكتب له والده بحسه الانساني وبكلماته البسيطة رسالة رصدها أحمد فؤاد نجم فقال له في البداية " واه يا عبد الوداد" وكأنه ينادي عليه وهو أمامه، ثم يفصح بالقول " يا رابص على الحدود" ويعطينا معلومات أن عبد الودود مرابط على الحدود.

ولكن لماذا، لماذا عبد الودود هناك. فيفصح الوالد أكثر بالقول أنه هناك " ومحافظ ع النظام" ويقصد بذلك ليس نظام البلد السياسي وانما أمنها.

ثم يتابع الوالد مستفسرا وهو ما تبدا به عادة الرسائل " كيفك يا واد صحيح" أي أرجو أن تكون بصحة جيدة، ويضيف " عسى الله تكون مليح" ثم يقول متمنيا " وراجب للامام" أي بمعنى تسير دوما الى الامام.

ويأتي ادخال الوالدة في الموضوع بالقول " أمك ع تدعي ليك و ع تسلم عليك" ثم تقول له بعد السلام " وتجول بعد السلام ، خليك ددع لأبوك" أي بمعنى "خليك جدع مثل والدك" " ليجولوا مين دابوك" أي عليك أن تكون جدعا مثل أبيك وخوفا من أن يقول الناس " من هو أبوك" و" يمصخوا الكلام" أي يستهزؤن ( يمسخون ) في كلامهم.

وهنا تظهر كرامة الانسان المصري البسيط، فاللغة المستخدمة لغة تعبر عن هذه الكرامة والعزة. فالوالد لا يريد من ولده الا أن يكون مثله وأن يكون " ابن بلد".

ثم ينتقل الوالد الى مسألة أخرى يبدأها بالتحسر والمناداة "واه يا عبد الودود" ويضيف " ع أجولّك و انت خابر كل الجضية عاد " أي أن الوالد لا يريد أن يقول لولده ما يعرفه ولكنه يذكره بالقضية، ويمعن بالقول "ولسة دم خيك ما شرباش التراب" أي أن دماء ولده الثاني شقيق عبد الودود ما زالت رطبة لم تتشربها الأرض. وكان قد استشهد في الدفاع عن الوطن والتصدي للعدو، فيقول الوالد مذكرا "حسك عينك تزحزح يدك عن الزناد" بمعني أنتبه واياك أن تغفو أو يبتعد أصبعك عن زناد رشاشك، ثم يضيف الوالد " خليك يا عبده راصد لساعة الحساب" اي أبقى متيقظا صاحيا للحظة المواجهة وعندها تجري عملية المحاسبة. ويقول الوالد أن ساعة الحساب قد اقتربت ولم يتبق الا تحديد ساعة الصفر " آن الاوان يا ولدي ما عاد الا الميعاد" من أجل أنهاء الشراكة (أي معاهدة السلام حاليا) " تنفض الشركة واصل" أي انهاء الشراكة من أساسها، وليس فقط كذلك بل " وينزاحوا الكلاب" أي يخرج الكلاب من أرضنا.

ويؤكد الوالد في رسالته أنه اذا كان عبد الودود " ابن أبيه" فعلية أن يثأر لشقيقه الشهيد " ان كنت ولد أبوك بتديب لي تار أخوك " ثم يقول الوالد بعد ذلك وعندها يبلغك الأهل جميعهم السلام " والأهل يبلغوك دميعا السلام".

وينتقل الوالد للاستفسار عن عبد الودود بالقول " واه يا عبد الودود، كيفك وكيف زميلك ، عسى اله طيبين" ويضيف أنه خاله زانتي سوف يأتي الى الجبهة ضمن مجموعة من المتطوعين " خالك زناتي داي لك ضمن المطوعين"، أما شقيقته فتذهب يوميا الى المستشفى القديمة لانها تتدرب كي تكون طبيبة ( المقصود ممرضة) أثناء المعركة " واختك تطلع يوماتي ع المستشفى الجديمة حاكم ع يمرنوها ف العركة تكون حكيمة"، أما محمدين موافي وهو من أبناء البلد وصديق عبد الودود فانه يتعلم أن يكون اطفائيا ويرسل تحياته الى عبد الودود ويقول له " العوافي" حيث يقول الوالد " ومحمدين موافي يتعلم المطافي ويجولك شد عزمك ويجولك العوافي".

ويحتار هنا الوالد ماذا يكتب بعد، فليس أمامه الا أن يضيف أن الأهل جميعا يبلغوه السلام " ومن هنا الجرايب والعيلة والعيال " أي الأقرباء والزوجة والأولاد " ع يبلغوك سلامهم " أي يرسلون تحياتهم وأشواقهم.

وكي ينهي الوالد فيقول " ولتمتة الردال " أي لتتمة الرسالة" : وآخر الكلام نقولك في الختام" الله يصون بلدنا، ويحرس السلام".

وهنا تنتهي رسالة الوالد ويوقعها " والدك حسن محارب " ويكتب الوالد صفته أنه " غفير برج الحمام" أي حارس قرية برج الحمام رغم أن ولده عبد الودود يعلم ذلك جيدا.

علينا أن نلاحظ أن الوالد بالكاد " يفك الحرف" وهو يكتب كما يلفظ لذا تعمد الشاعر أحمد فؤاد نجم أن يكتب القصيدة بأخطاء املائية.

لكن الرسالة تعبر عن هذا الفضاء الواسع من العزّة والكرامة والبساطة والحرص على أمور العامة والروح الوطنية العالية لدى المواطن المصري.

أترككم الان مع كلمات الأغنية لكن بالامكان الاستماع اليها بصوت المرحوم الشيخ امام اذا ما زرتم الموقع التالي :-

http://www.youtube.com/watch?v=3gumakWmihs








واه يا بعد الودود

يا رابص ع الحدود



و محافظ ع اللظام

كيفك يا واد صحيح

عسى الله تكون مليح

و راجب للامام

أمك ع تدعي ليك

و ع تسلم عليك

و تجول بعد السلام

خليك ددع لابوك


ليجولوا مين دابوك

و يمصخوا الكلام

واه يا عبد الودود

ع أجولّك و انت خابر

كل الجضية عاد

ولسة دم خيك

ما شرباش التراب

حسك عينك تزحزح

يدك عن الزناد

خليك يا عبده راصد

لساعة الحساب
أن الأوان يا ولدي

ما عاد الا المعاد

تنفض الشركة واصل

وينزاحوا الكلاب


إن كنت ولد أبوك

بتديب لي تار اخوك

و الأهل يبلغوك

دميعا السلام


واه يا عبد الودود

كيفك و كيف زمايلك

عسى الله طيبين

خالك زناتي داي لك

ضمن المطوعين

و اختك تطلع يوماتي

ع المستشفى الجديمة

حاكم ع يمرنوها ف العركة

تكون حكيمة

و محمدين موافي

يتعلم المطافي

ويجولك شد عزمك

ويجولك العوافي


ومن هنا الجرايب و العيلة و العيال

ع يبلغوك سلامهم و لتمتة الردال

و آخر الكلام نجولك في الختام



الله يصون بلدنا

و يحرس السلام



والدك حسن محارب

غفير برج الحمام

هل فعلا مات جيفارا؟

هل فعلا مات جيفارا؟

تساؤلات

المهندس

خالد بطراوي

في تاريخ العالم الحديث هناك الثائر تشي جيفارا الأرجنتيني المولد الذي عاش نحو أربعين عاما، قضى معظمها متنقلا من هذه الثورة الى تلك في تقريبا معظم مناطق أمريكا اللاتينيه، هذا الرمز لحرب العصابات طويلة الأمد الذي أعتبر ملهما لكافة الشعوب المضطهدة ليس فقط في أمريكا اللاتينية بل وفي بقاع العالم قاطبه.

ويذكر التاريخ أيضا أنه جيفارا قد اغتيل في التاسع من تشرين الأول من العام 1967 على يد الجيش البوليفي ومستشارو وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ويومها كان الحدث الأبرز في العالم ورثاه الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم في قصيدته " جيفارا" التي غناها الشيخ امام.

يصف الشاعر أحمد فؤاد نجم لحظة نشر الخبر، فقد أعلن الجيش البوليفي عبر شاشة التلفاز أنه قد تمكن من قتل جيفارا ونشر صورة لجثته تأكيدا للخبر وقال عندها الشاعر أحمد فؤاد نجم " جيفارا مات... آخر خبر في الراديوهات... وفي الكنايس والجوامع ... وفي الحواري وفي الشوارع " وليس فقط في هذا الأماكن بل " وع القهاوي ... وع البارات " فقد انتشر الخبر كما النار في الهشيم.

ثم يمعن الشاعر أحمد فؤاد نجم في وصف الحالة بالقول بأنه قد كثرت الأوقاويل والاشاعات " واتمد حبل الدردشة والتعليقات" ثم أخذ أحمد فؤاد نجم في رثاءه بالقول " مات المناضل المثال... يا ميت خسارة ع الرجال" ووصف كيف مات فقال " مات الجدع فوق مدفعو جوّه الغابات" وقال أنه بموته قد جسد التطبيق العملي للمناضل الحقيقي فقد " جسد نضاله بمصرعه وعمّ السكات".

واستذكر هنا الشاعر أحمد نجم أن جيفارا قد مات بصمت فقال " لا طبالين يفرقعوا ولا اعلانات" ملمحا بذلك الى كيفية التعامل مع حادثة وفاة شخص " مهم" عندما تكثر اعلانات النعي في الصحف وتكثر حلقات العزاء.

ويخاطب أحدم فؤاد نجم الطبقة المخملية في المجتمع وبضمنهم " المثقفين الثوريين" بالقول " ايه رأيكم دام عزكم يا أنتيكات ، يا غرقانين في المأكولات والملبوسات، يا دفيانين ومولعين الدفايات، يا محفلطين يا ملمعين يا جيمسات " ويصفهم بالقول " يا بتوع نضال آخر زمن في العوامات" وهو يقصد بذلك من نسميهم حاليا " المثقفون الثوريون" الذين يعرفون النضال من خلال الصالونات السياسية والذين يحرصون على تلميع أحذيتهم ولبس بدلات " السموكنج".

ثم ينتقل أحمد فؤاد نجم الى وصف اللحظات الأخيرة في حياة جيفارا فقال متحسرا " عيني عليه ساعة القضى من غير رفاقو تودعو" وهو بذلك يقول أنه لحظة اغتياله وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة كان لوحده ولم يكن معه أي من رفاقه لوداعه، وربما كان يئن ويطلق أنينه فقط لرب الأرض والسماء " يطلع أنينو للفضا ... يزعق ولا مين يسمعوا" ويضيف أحمد فؤاد نجم بالقول بأن جيفارا ربما صرخ متألما أو من لسعة الرصاص في أمعائه أو ربما ابتسم أو ضحك مستهزئا من قاتليه، أو ربما أرتعش رعشه الموت أو ربما تفوه بكلمة أخيرة مودعا كافة الجياع في العالم أو ربما وجّه وصيته الأخيرة لم يحمل من بعده قضية النضال التحرري والصراع الطبقي "يِمْكِنْ صَرَخْ مِنِ الألمْ ، مِنْ لسعةِ النّار في الْحَشا، يِمْكِنْ ضحِكْ، وَلاّ ابْتَسَمْ ، وَلاّ ارْتَعَشْ، وَلاّ انْتَشى، يِمْكِنْ لَفَظْ آخر نَفَسْ ، كِلْمِة وِداعْ، لاجْل الجيـاعْ، يِمْكِنْ وَصيَّـة، لِلِّي حاضْنين الْقَضيَّة، في الصّـراعْ".

ويضيف أحمد فؤاد نجم أنه يوجد الكثير من الصور للحظات جيفار الأخيرة " صور كتير ملو الخيال والف مليون احتمال" لكنه يضيف مؤكدا " لكن أكيد ولا جدال جيفارا مات موتة رجال ".

ثم يخاطب أحمد فؤاد نجم طبقة الكادحين والمعتقلين المقيدين بالسلاسل بالقول " يا شغالين ومحرومين، يا مسلسلين رجلين وراس " ويقول لهم " خلاص خلاص ، مالكوش خلاص غير البنادق والرصاص " مؤكدا أن هذا هو منطق العصر السعيد " دا منطق العصر السعيد عصر الزنوج والآمريكان" حيث أن " الكلمة للنار والحديد" أما العدل والحق " والعدل أخرس أو جبان" .

ويخطاب أحمد فؤاد نجم كافة المقهورين في العالم داعيا اياهم الى التمرد بالقول " صرخة جيفارا ... يا عبيد في أي موطن أو مكان ، مفيش بديل ، ما فيش مناص " ويؤكد أحمد فؤاد نجم بضرورة الاستعداد " يا تجهزوا جيش الخلاص ... يا تقولوا ع العالم خلاص".

ونعود هنا للتساؤل في عنوان هذه الكتابه، هل فعلا جيفارا مات؟ وهل فعلا تشرذم جيش الخلاص؟

أترككم مع كلمات الشاعر أحمد فؤاد نجم وبالامكان سماع أغنية الشيخ امام على الرابط التالي :-

http://www.youtube.com/watch?v=tqnyhP7N0rs

جيفارا مات

جيفارا مات

آخر خبر في الرّاديوهات

وْفي الكنايس

والجوامع

وْفي الحواري

والشوارع

وْع القهاوي وْع البارات

جيــفارا مـات

واتْمَدّ حبل الدّردشه

والتّعليقات

مات المناضل المثال

ياميت خسارة عْلَى الرجال

مات الْجَدع فوق مدفعو

جوَّه الغابات

جسّد نضالو بْمَصْرَعو

وْعمّ السّكات

لا طبّالين يْفَرقعوا

وْلا إعلانات

إيه رأيكمْ

دام عزِّكُم

ياأنْتيكــات

يا غرقانين في الْمأكولات

وِالملْبوسات

يا دافْيانين

وِمْولّعين الدّفّايات

يا مْحَفْلطين يا مْلمّعين

ياجيمِسات يا بْتُوع نضالْ آخر زمَنْ في العوامات

*

ما رأيكمْ؟؟ دام عزِّكم!!

جيفـارا مات..

لاطنْطَنة

وْلا شَنْشَنَة

وْلا إعلانات واسْتِعْلامات

عيني عليه ساعة الْقَضى

مِنْ غير رِفاقو تْوَدَّعُو

يِطْلَـع أنينو لِلْفضـا

يِزْعَـق وَلا مينْ يِسْمعو

يِمْكِنْ صَرَخْ مِنِ الألمْ

مِنْ لسعةِ النّار في الْحَشا

يِمْكِنْ ضحِكْ

وَلاّ ابْتَسَمْ

وَلاّ ارْتَعَشْ

وَلاّ انْتَشى

يِمْكِنْ لَفَظْ آخر نَفَسْ

كِلْمِة وِداعْ

لـَ اجْل الجيـاعْ

يِمْكِنْ وَصيَّـة

لِلِّي حاضْنين الْقَضيَّة

في الصّـراعْ

صِوَرْ كِتيـر مَلُّـو الخيــال

وْألْفِ مِلْيون احْتِمـال

لَكِنْ

أكيــــــــد

وْلاجِــدال

جيفارا مات

مُوتِةْ رجــال

ياشغّالين وْمَحْرومين

يا مْسَلْسَلين رِجْلين وِراسْ

خَلاص.. خَـــلاصْ

مالْكُوشْ خَلاص

غيرْ بِالْبَنادِق وِالرِّصـاص

دا منطق العصر السعيد

عصر الزنـوج والأمريكـان

إلْكِلْمَه للنّـار وِالْحَديـد

وِالْعَدْل أخرس أو جبـان

صرخِةْ جيفــارا.. يا عبيــد

في أيِّ مَوطِن أو مكـان

مافيش بديـل

مافيش مناص

يا تْجَهِّزوا جيش الْخَلاص

يا تْقـُولـُوا:

عَ العــالم خــلاص

مايكل جاكسون

مايكل جاكسون

بقلم

المهندس خالد بطراوي

في الخامس والعشرين من حزيران لعام 2009 طويت صفحة من أسموه " ملك البوب" المغني مايكل جاكسون بعد أن أصيب بنوبة قلبية حاده نقل على أثرها إلى المستشفى الجامعي بلوس أنجلوس حيث بذل الأطباء قصارى جهدهم في الحفاظ على حياته الا أن ارادة الخالق المولى نقلته بين يدي الرحمن.

شخصيا لا أعرف عن موسيقاه الكثير، وربما لو عرفت لما "استطعمتها" نظرا للسجل التاريخي الحافل لهذا المغني حيث أنني أختلف واياه في مجموعة المثل والقيم التي يحيا من أجلها الانسان.

وعلى الرغم من أن مايكل جاكسون شارك 1985 في كتابة الاغنية الخيرية We Are The World التي ذهبت جميع ارباحها إلى محاربة المجاعة في القارة الأفريقية، الا أن ذلك لم يجعلني أغير اعتقادي بان هذا المغني قد عاد الى جادة الصواب وامتثل للقيم التي يحيا من أجلها الانسان.

في السياق التاريخي فقد ولد مايكل جاكسون لأسرة متوسطة الحال، ومن الطبيعي جدا أن يكافح الفرد لتحسين ظروفه، لكن أن يستأثر بهذا النجاح لذاته فقط ويقوم بتوزيع " الفتات" على من ذاق واياهم شظف العيش فهذا يندرج تحت باب الذاتية المفرطة وهنا أولى اختلافاتي مع مايكل جاكسون وغيره، اذ أن احدى قيم الحياة أن تعمل أيضا لأجل الأخرين.

ثم جاء المظهر الذي يظهر به مايكل جاكسون من حيث لباسة وطريقة حديثه ومشيته التي تحاكي النساء ولا أعرف لماذا يطرب لها البعض فكيف لنا أن نستوعب تشبه الرجال بالنساء وتشبه النساء بالرجال ونفسر ذلك ونبرره على أنه من باب " الحرية الشخصية".

وان كنت أحترم القضاء الا أنني داخليا لم أكن مقتنعا بترئة مايكل جاكسون ( عام 2005) من تهم التحرش الجنسي بقاصر ومحاولة اعطاءه كحول، فقد رافقت التحقيقات التي استبقت حكم المحكمة مجموعة من القرائن والدلائل الظرفية التي تشير الى جنوح مايكل جاكسون نحو الشذوذ.

أما عن رسالة الفن والتي تتمثل في احداث التغيير، فما هو التغيير الذي أحدثته موسيقى مايكل جاكسون؟ أم أن هذا الايقاع قد أضحى "مخدرا" لجيل الشباب يدفعهم للابتعاد عن استنباط واستنهاض قدراتهم لاحداث التغيير في مجتمعهم فجاءت أعماله " تنفيسية" تماما كأشعار الشاعر العراقي مظفر النواب في السبعينات واعمال الفنان دريد لحام وكذلك مسلسل " أبو عواد". لقد افتقدت هذه الأعمال شرارة التغيير فتحولت الى "تفريغ شحنات" ليس الا.

وجاءت حياة مايكل جاكسون الأسرية مفككه للغاية تخللها قضايا رفعت أمام المحاكم، فقد ارتكزت حياته الأسرية على المادة وانتفى من خلالها مفهوم " السكينة" في الحياة الزوجية.

والان يدور الجدل الكبير حول ظروف وملابسات وفاة مايكل جاكسون ولا يلوح في الافق أن المحيطين به يتمنون لمايكل جاكسون الراحة الأبدية.

امام ذلك كله، هل أحزن لوفاة مايكل جاكسون؟

بالتاكيد فهو في النهاية انسان، لكنني أيضا أحزن لاجله، فقد كان بامكانه أن يساهم في احداث التغيير لكنه – لشديد الاسف- ظل حبيسا لذهنية ذاتية مقفلة لا ترى الا ذاته فاضحى حبيسا لها وبذلك فشل.

ذكريات التشريح

بسم الله الرحمن الرحيم

التشريح كجزء من التحقيق في حوادث استشهاد داخل السجون الاسرائيلية

تجربة شخصية

يتذكرها

المهندس خالد بطراوي

الطريق من رام الله الى معهد الطب الشرعي الاسرائيلي المعروف بـ " ابو كبير" الواقع على شارع بن تسفي هو طريق قصير يتطلب منك أن كنت تعرفه جيدا أن تقطع المسافة من رام الله بحوالي خمسة واربعين دقيقة طبعا من دون حواجز.

ابان الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي اندلعت عام 1987 قطعت هذه الطريق 29 مرة ذهابا وايابا للتواجد اثناء تشريح جثامين فلسطينيين سقطوا اما في السجون والمعتقلات الاسرائيلية و/أو في احداث الانتفاضة.

لا زلت أذكر ذلك جيدا، اذكر رحلة الذهاب قبل بدء التشريح وأذكر تفاصيل التشريح، واذكر رحلة الاياب. أنا المهندس المدني الذي لم يكن يفقه أي من المصطلحات الطبية.

لا بد لي في البداية الا أن أحنى رأسي اجلالا واحتراما لكافة الشهداء وأن أخص من بينهم كل شهيد قطعت شفرة التشريح جزء من جلده، وقص المنشار جمجمته وقفصه الصدري وبحث المشرح خلف عينه عن دليل قد يميط اللثام عن أسباب وفاته. وأود هنا أن أشير الى أنهم عندما حصل التشريح لم يكونوا يتألمون لكن كنت أنا اتألم وما زلت أتألم كثيرا، ولكن كان لا بد لهم حتى وعند استشهادهم الا أن يتمموا الحلقة الأخيرة في ملحمة تحدى الاحتلال بأن يثبتوا أنهم قد تعذبوا وبالتالي على الأقل لا يستريح من قام بتعذيبهم.

لا أدعي أن ذكرياتي تشكل نقطة البداية في تاريخ التشريح بالنسبة للفلسطينيين في مشرحة أبو كبير، لكنني أنقل لكم هذه التجربة الشخصية مع كل ما رافقها من صعوبات وآلام للجميع لعلنا جميعا نعمل على وقف التعذيب ليس فقط عندما يتعلق الأمر بالاحتلال بل أيضا لدينا في مجتمعنا المحلي.

أولا :- أهمية التشريح

لا اريد أن اطيل عليكم، فللتشريح أهمية قصوى كجزء من البحث الجنائي وكبينه فنية متخصصة في معرفة أسباب الوفاة. وكان المجتمع الفلسطيني شأنه شأن المجتمعات العربية لا يقبل بالتشريح من منطلقات دينية واجتماعية، وكان جلّ اهتمام ذوي الشهداء هو دفنهم باعتبار أن " اكرام الميت دفنه".

لقد اعتمدت السلطات العسكرية الاسرائيلية على ذلك كثيرا، ورغم أن القانون يفرض عليها اجراء عملية التشريح في أعقاب كل حادثة وفاة لأشخاص في قبضة السلطة الاحتلالية الحاجزة و/أو قضوا برصاصها، الا أنها كانت تتعمد اهمال ذلك وفي أفضل الأحوال كانت تجري كشفا ظاهريا على الجثة مما أضاع فرصة توفير البينة الفنية لاثبات الجرم أو نفيه.

ثانيا:- التشريح ومعهد أبو كبير ونظرة تاريخية

1- معهد أبو كبير للطب الشرعي الاسرائيلي هو معهد رسمي اسمه " معهد لي غرين بيريج للطب العدلي". ولا يستقبل المعهد أي عمليات تشريح خاصة الا باذن رسمي من الجهات القضائية الاسرائيلية وبتكلفة عالية جدا، ولكن يستقبل المعهد تلك الحالات التي تحول اليه من قبل الجيش أو الشرطة الاسرائيلية.

مع قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية وبموجب الاتفاقيات فان هناك تعاونا ما بين معهد أبو كبير والطب الشرعي الفلسطيني الذي يتبع وزارة العدل الفلسطينية اداريا ووزارة الصحة فنيا. وقد جرى تنفيذ بعض عمليات التشريح المشتركة بين المعهدين حضرت جزءا منها، علما بانه لم يكن يسمح للاطباء الشرعيين الفلسطينيين المشاركة في عملية التشريح بل حضور العملية التي تستغرق عادة ما بين 4- 6 ساعات.

2- بلا شك فقد بدأت علاقة الفلسطينيين مع معهد أبو كبير مع بدء الاحتلال، حيث سقط عدد من المعتقلين في السجون والمعتقلات الاسرائيلية وأبلغت الجهات الاسرائيلية ذوي الشهداء بأنه سيتم تشريح الجثة، وكانت الرواية الاسرائيلية دوما تتحدث اما عن أسباب وفاة طبيعية، أو انتحار أو تصفية داخل السجن. لذلك اعتبر معهد أبو كبير للتشريح جزءا من الرواية التكميلية التجميلية الاسرائيلية لكن هذه المرة مدعومة بأسباب علمية تستند الى تقرير تشريح.

3- وما فاقم في التشكيك بمعهد الطب العدلي الاسرائيلي ارغام سلطات الاحتلال ذوي الشهداء على دفنهم ليلا وبحضور عدد محدود من العائلة وفي كثير من الأحيان دون حتى القاء نظرة الوداع. وفي تلك المرات التي سمح لذوي الشهداء بالقاء نظرة الوداع أفاد بعضهم بانهم يشكون في أن أعضاء قد انتزعت من الجثامين وبضمنها الأعين حيث كانوا يشاهدون أعين اصطناعية.

4- وبدأت مؤسسات حقوق الانسان الفلسطينية والاسرائيلية في اتخاذ خطوات قضائية على الأقل للحصول على تقرير التشريح. ولشديد الأسف كانت هذه المؤسسات تزود فقط بالتقرير الأولي للتشريح الذي يخلو من التقارير النهائية والتي تتعلق بفحص الانسجة والدم والأعضاء الداخلية.

5- لذلك بالامكان القول أن ما يزيد عن 25 عاما من أعوام الاحتلال كان العنان فيها طليقا وحرا لأن تتشكل الرواية الاسرائيلية بالشكل الذي يخدم سلطات الاحتلال وكانت تصبغ بصبغة طبية عدلية من خلال معهد أبو كبير للتشريح.

6- واذكر في مطلع الانتفاضة الأولى أي نهاية عام 1987 ومطلع عام 1988 كانت الشرطة تجوب شارع بن تسفي باستمرار وتحديدا عندما يكون في ذلك اليوم عملية تشريح لشهيد فلسطيني، وكان الهدف من هكذا تجوال هو التأكد من خلو الشارع من أي شخص تبدو ملامحه بأنه عربي. لقد تواجدنا أكثر من مرة هناك بوصفنا نمثل مؤسسات حقوق انسان وتم طردنا وارغامنا على مغادرة المنطقة أكثر من مرة.

7- ومع ذلك تواصلت جهود المؤسسات بهدف الدخول الى معهد أبو كبير ومعرفة ما يدور في داخله. بدأت المؤسسات كما ذكرت آنفا بالسعي للحصول على تقرير تشريح، ثم أمعنت في طلبها بالقول أنه من حق العائلة أن تنتدب ممثل لها يحضر عملية التشريح، وتعاقدت مؤسسات حقوق الانسان مع مؤسسة ( The American Association for The Advancement of Science) بهدف تأمين طبيب مشرح ليمثل العائلة حيث كان السلطات العسكرية الاسرائيلية لا تسمح لاطباء فلسطينيين بالحضور هذا ناهيكم على أنه لم يكن هناك آنذاك أي طبيب مشرح فلسطيني.

8- وفي النهاية تمكنت هذه المؤسسات من الولوج الى داخل اسوار معهد الطب الشرعي أبو كبير. ودعوني أسرد لكم بعض الحالات التي حفرت حفرا في ذاكرتي واستعنت ببعض تواريخها من مذكرتي عندما كنت أعمل منسقا لوحدة البحث الميداني في مؤسسة " الحق".

أ- الشهيد عوض حمدان

استشهد الشهيد عوض حمدان (من قرية رمانه) بتاريخ 21/7/1987 في سجن جنين المركزي بعد يومين من اعتقاله.

استنادا الى الجهات الاسرائيلية الرسمية آنذاك فقد ذكر أن الشهيد قد سقط بالسكتة القلبية ثم عدلت الرواية بالقول جراء لدغة أفعى، ثم الموت اختناقا أو شنقا.

استفزت هذه الروايات الجميع وبضمنهم المحامية الاسرائيلية المناضلة فيليتسيا لانغر. التي تقدمت بالتماس الى محكمة العدل العليا.

وقد أجريت عملية تشريح دون حضور أي ممثل عن العائلة. وفي شباط 1988 أبلغت المحكمة أن المستشار القضائي للحكومة الاسرائيلية قد توصل الى استنتاج بأن سبب الوفاة " ناجما عن الاهمال" وأوعز " بمحاكمة ضابط الشاباك المسؤول عن هذا الاهمال الذي أدى الى الوفاة".

حتى تاريخه لم تقم السلطات العسكرية الاسرائيلية بنشر نتائج التشريح ومن ثم نتائج التحقيق.

وفي آذار 1988 قبلت محكمة العدل العليا الاسرائيلية تبرير وزير "الدفاع" الاسرائيلي آنذاك اسحق رابين القائل بأن " تقديم أية معلومات تتعلق بأساليب تحقيق الشاباك من شأنه أن يعرض أمن الدولة الى الخطر". ولكن المحكمة أيضا قبلت بتصريح رابين الداعي لأن يتم ابلاغ عائلة الشهيد بالأسباب العلمية التي نجمت عنها الوفاة. وبالتالي صرحت المحكمة بالاستناد الى المدعي العام بأن عوض حمدان قد قضى نتيجة لانقطاع التنفس بسبب الخنق.

وواصلت مؤسسات حقوق الانسان والمحامية لانغر سعيها بارغام المحكمة ( بعد أن أظهر تقرير التشريح وجود رضوض وكدمات على جسد الضحية) بالافصاح عن الأسباب التي دعتها لعدم سرد تفاصيل وظروف الاعتقال التي أدت الى هكذا وفاة. وقررت المحكمة أنه يحق فقط للعائلة والمحامية لانغر الاطلاع على هذه التفاصيل لكن شريطة عدم تعميمها.

ب- الشهيد ابراهيم المطور

اعتقل السيد ابراهيم المطور (31 عاما من سعير) بتاريخ 8/7/1988 حيث نقل الى معتقل الظاهرية ومن ثم الى معتقل عوفر بالقرب من رام الله. بتاريخ 12/10/1988 التقته عائلته خلال جلسة المحكمة ثم عادت والتقته في اليوم التالي ضمن برنامج الزيارات العائلية. بتاريخ 18/10/1988 تمت اعادته الى معتقل الظاهرية وبتاريخ 21/10/1988 صرح الناطق العسكري الاسرائيلي أنه قد وجد مشنوقا في زنزانته.

استنادا الى افادات من معتقلين شاهدوه عندما وصل الى سجن الظاهرية فقد خرج من الباص وكانت الدماء تسيل من رأسه وخاصة من خلف اذنه. وسمع المعتقلون صراخه وهو يقول " الله أكبر ، الله أكبر، أنا ابراهيم المطور أشهدوا يا اخوان أنهم يقتلونني".

أنا شخصيا ما زلت أسمع تلك الكلمات التي رددها عليّ معتقلون سمعوا الشهيد المطور يرددها. وقد قامت السلطات العسكرية الاسرائيلية باجراء التشريح في معهد أبو كبير حيث قام بالتشريح الدكتور ليفي وهو روماني الأصل وذكر في التقرير أنه توجد رضوض على الجثة على ما يبدو جراء الضرب.

لم تقنع هذه التبريرات مؤسسات حقوق الانسان وتم من خلال المحامية فليتسيا لانغر اصدار امر باعادة التشريح وبالفعل وبعد أكثر من ستة أشهر من الوفاة وتحديدا في تموز 1989 توجهت بنفسي مع آخرين في منتصف الليل الى قرية سعير وبعد التنسيق مع القوى الوطنية في القرية وقمنا مع السلطات العسكرية الاسرائيلية بعملية فتح القبر واستخراج الرفات ونقلها للتشريح مرة أخرى بحضور أخصائي التشريح العالمي ديريك باوندر.

لقد أثبت الدكتور باوندر بأن الشهيد المطور قد تعرض لضربات عنيفة أحدثت جروحا وليس رضوضا وكان التعذيب الجسدي والنفسي شديدا وتضمن رش المعتقل بالغاز وحقنه بمواد مخدرة وحرمانه من النوم والتوجه الى المرافق الصحية ووضعه تحت ضغط شديد.

ج- الشهيد خالد الشيخ علي

خالد الشيخ علي ابن السابعة والعشرين عاما من مدينة عزة، اعتقل بتاريخ 7/12/1989 مع والده كامل وشقيقه ناصر. بعد 12 يوما من الاعتقال وعندما كان خالد رهن التحقيق سقط شهيدا. وفي اليوم التالي أبلغ محاميه الاستاذ محمد أبو شعبان – رحمه الله – بأن خالد قد توفي على ما يبدو من " جلطة قلبية".

وقد تمت انتداب الدكتور مايكل بادن لحضور عملية التشريح وهو ممثل مؤسسة "Human Rights Watch".

لقد كانت مفاجأتي كبيرة عندما وصلت والدكتور بادن الى المعهد، حيث كان على علاقة شخصية مع الدكتور أيهودا هيس مدير معهد أبو كبير، وصافحه بحرارة وتبين لي أن الدكتور بادن قد قام بتدريس الدكتور هيس في الجامعة.

لقد تمت عملية التشربح لشاب يافع، عندما تمت ازالة الطبقة الجلدية شاهدنا العضلات المفتولة النقية الخالية من أية ترسبات دهنية وكان التشريح يتم من أعلى الى أسفل وكان لا يوجد أية مشكلة في الجزء العلوي الى أن وصلنا الى منطقة أسفل البطن، حيث خرج مع ضربة أول مشرط دم ازرق اللون متخثرا بكميات كبيرة. وعندها قال المشرحون هنا سبب الوفاة، أنه نزيف حاد في منطقة البطن جراء ضرب منتظم على تلك المنطقة عندما كان جسد الضحية متكورا الى الخارج. عندها تذكرت على الفور أحد أساليب الشبح وهو ما يعرف بشبح الموزة، حيث يتم اجلاس المعتقل على كرسي من دون ظهر، ويتم ربط قدميه ويديه مع بعضها البعض من الخلف على نحو يتكور معها بطن المعتقل الى الخارج، وهناك تتم عملية الضرب باستخدام الماء البارد أو الثلج بحيث لا تظهر علامات الازرقاق على الجلد الخارجي بل يحدث النزيف داخليا.

وعندما انتهى التشريح أذكر أن الدكتور بادن قال للدكتور أيهودا هيس، هل أنتهينا، فقال له نعم. عندها رد عليه الدكتور بادن، ما هكذا تعلمنا، البحث الجنائي زوايا مثلث، الزاوية الأولى هي التشريح، والزاوية الثانية هي الملابس وفحص الأنسجة وفحص الدم، والزاوية الثالثة هي معاينة المكان.

وكانت فعلا هي المرة الأولى التي يتم فيها التوجه لمعاينة المكان. حيث توجهنا فور التشريح الى سجن غزّة المركزي، ولأول مرة نتقابل مع اثنين من المحققين، الذين قالوا لنا " لقد أحضرنا المعتقل من الزنزانة الى هذه الغرفة، وقمنا برفع الغطاء عن رأسه وفك القيد البلاستيكي، عندها شعر بتعب، فذهبنا نحن الاثنين ( سبحان الله ) لاحضار كوب من الماء له وعندما عدنا وجدناه ميتا".

بالطبع ضحكنا جميعا لهذه الرواية لسببين الأول أننا كنا نعرف سبب الوفاة، والثاني أن الكرسي الذي استخدم لتعذيب المعتقل كان لا يزال موجودا في ذات الغرفة.

لقد كانت قضية الشهيد خالد الشيخ علي القضية الأولى التي نتمكن من خلالها من زيارة مكان حدوث الوفاة، وكذلك القضية الأولى التي يتفق من خلالها تقرير معهد أبو كبير مع تقرير الخبير المنتدب من قبلنا نحن كمؤسسات حقوق انسان. وطبعا كان السبب معروفا، أن الدكتور هيس لم يجرؤ أمام استاذه أن يقلب الحقيقة، لدرجة أنه قال لي " هذه المرة لقد أمسكتني – This time you caught me".

وتواصلت القضايا، وتواصل التشريح، أذكرهم جميعا ، أذكر كل واحد منهم. أكثر ما كان يؤلمني أن أحد أفراد العائلة كان عليه أن يرافقنا للتعرف على الجثة. يا الله ما أصعب تلك اللحظات، رأيت الوالد يقترب من ولده، ينظر اليه مليا يصعب عليه أن يعرفه من شدة التغييرات التي حصلت على ملامحه، يريد أن يصدق ولا يصدق، يريد ويتمنى أن لا يكون ابنه ذلك المسجى على طاولة المشرحة، وعندما يدرك أنه ابنه ينهار، وكنت أنا أتلقاه وأحاول بجسدي المنهك ودموعي الغزيرة أن أنهضه عن الأرض، وعندما افشل أجلس معه ونبكي معا، لدرجة أن السكرتيرة هناك كانت تشاركنا البكاء في بعض الحالات.

وأذكر ايضا أنني أحيانا لم أكن أهتم لنتائج التشريح، كنت أهتم بأن ألبي طلب العائلة. عندما استشهد الشهيد مصطفى العكاوي طلبت مني زوجته أن أحضر لها خاتم الزواج من اصبعه، وطيلة التشريح كان همي أن أغافل الأطباء "لأنزع" الخاتم من يده، وعندما فعلت ذلك لم أكترث بعدها لأي شىء. عدنا الى القدس ليلا وعقدنا مؤتمرا صحفيا في الفندق الوطني، أنا لم أحضر المؤتمر طلبت لقاء زوجته، في زاوية من زوايا الفندق ناولتها الخاتم، غادرتني الى المؤتمر الصحفي أما أنا فقد تهاويت على المقعد في الردهة متعبا وبدأت بالبكاء.

أذكرهم جميعا صدقوني أذكرهم جميعا، أمجد جبريل الطويل، أيمن الرزة، حسين حمد، جمال عبد العاطي، محمود المصري، مصطفى بركات، وغيرهم الكثيرون.

لم نلتق الا وهم ممدون على طاولة التشريح، أغمضت أعين بعضهم، لكنني نظرت اليها مليا، أمسكت بأيديهم قبلتهم وذرفت دموعي لأجلهم.

وتوالت الأيام، حتى توالت انباء معهد أبو كبير عبر (Israel National News.com ) عندما ذكرت أن مدعي عام الدولة الاسرائيلية الياكيم روبنشتاين قد قرر عدم مقاضاة الدكتور يهودا هيس جراء استخدامه بعض الأعضاء لتجارب علمية، وذلك لأن العائلات كانت تعلم بالتشريح وتوافق عليه وبالتالي لا يوجد مشكلة في اجراء أبحاث علمية على أجزاء من الجثة لكن كان عليه أن يبلغ العائلات بذلك من دون تجريمه قانونا. وكان الدكتور يهودا هيس قد خضع لاتهام في تموز عام 2002 بأنه قد استخدم أعضاء من 81 جثة لأغراض البحوث العلمية. عندها بدأت بنفسي بالاستفسار " اذا ما كان معهد الطب العدلي الاسرائيلي قد استخدم أجزاء من 81 جثة لاسرائيليين لاغراض علمية، فكيف هو الحال اذا ما كانت الجثة لفلسطيني؟"

سؤال كبير ما زلت أنتظر اجابته حتى هذه اللحظة.

أشكر لكم اهتمامكم.

باحترام وألم

خالد بطراوي